وقال أبو العبّاس القرطبيّ - رحمه الله - في "المفهم": قوله: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}" أي: تفرَّقوا، والإفاضة: التفرق في كثرة، من إفاضة الماء، قال الشاعر [من الكامل]:
وقال الخطابي: أصل الفيض: السيلان، واختلف المفسّرون فيمن المراد بـ "الناس"؛ فقيل: المراد: آدم - عليه السلام -، وقيل: إبراهيم - عليه السلام -، وقيل: سائر الناس غير الْحُمْس، وهم قريش، ومن ولدت، وكنانة وجَدِيلة، وسُمُّوا حُمْسًا؛ لأنهم تحمَّسوا في دينهم؛ أي: تشدَّدوا، ولذلك كانوا إذا ابتدعوا أمرًا أدانت لهم العرب به.
وقال الحربي: سُمُّوا حمسًا بالكعبة؛ لأنها حمساء؛ حجرها أبيض يضرب إلى السَّواد. وكان مِمَّا ابتدعته الْحُمْس: أنه لا يطوف أحدٌ بالبيت وعليه أثوابه إلا الْحُمْس، فكان الناس يطوفون عراة إلا الْحُمْس، أو من يعطيه أحمسي ثوبًا، فإن طاف أحدٌ في ثوبه ألقاه بالأرض، ولم يعد له، ولا يأخذه أحدٌ، لا هو، ولا غيره، ولا ينتفع به، وكانت تُسمِّي تلك الثياب: اللُّقى؛ لإلقائها بالأرض، فأنزل الله تعالى:{خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِد}، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يطوف بالبيت عُريان"، وكذلك كانوا يُفيضون من مزدلفة، والناس من عرفة، فأنزل الله تعالى:{ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}، فأحكم الله آياته، والله تعالى أعلم. انتهى (١)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث عائشة - رضي الله عنها - هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [١٩/ ٢٩٥٤ و ٢٩٥٥](١٢١٩)، و (البخاريّ) في