للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

محمله الأمران. انتهى كلام الأبيّ رحمه الله (١).

وقد تعقّب الحافظ رحمه الله ما قاله عياض والأبيّ، فقال: في حديث عمران هذا ما يَعْكُر على عياض وغيره في جزمهم أن المتعة التي نَهَى عنها عمر وعثمان هي فسخ الحج إلى العمرة، لا العمرة التي يحج بعدها، فإن في بعض طرقه عند مسلم التصريح بكونها "متعة الحج"، وفي رواية له أيضًا: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعمر بعض أهله في العشر"، وفي رواية له: "جمع بين حج وعمرة"، ومراده: التمتع المذكور، وهو الجمع بينهما في عام واحد. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: عندي الأقرب أن مراد عمران -رضي الله عنه- ما يشمل الفسخ، والتمتّع المعروف، فإن كلًّا منهما داخل في نهي عمر وعثمان -رضي الله عنهما-، فتأمل، والله تعالى أعلم.

(فَلَمْ تَنْزِلْ آيَةٌ تَنْسَخُ ذَلِكَ) أي مشروعيّة المتعة، وفي رواية حميد بن

هلال، عن مطرّف التالية: "إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جمع بين حجة وعمرة، ثم لم ينه

عنه حتى مات، ولم ينزل فيه قرآن يُحرّمه"، وفي رواية قتادة، عن مطرّف:

"واعلم أن نبيّ الله -صلى الله عليه وسلم- قد جمع بين حج وعمرة، ثم لم ينزل فيها كتاب الله، ولم يَنْهَ عنها نبيّ الله -صلى الله عليه وسلم-"، وفي رواية أبي رجاء، قال: قال عمران بن حُصين: "نزلت آية المتعة في كتاب الله -يعني متعة الحج- وأمرنا بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم لم تنزل آية تنسخ آيةَ متعة الحجّ، ولم يَنْهَ عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى مات".

قال النوويّ رحمه الله بعد ذكر هذه الروايات: وهذه الروايات كلُّها متفقةٌ على أن مراد عمران -رضي الله عنه- أن التمتع بالعمرة إلى الحج جائزٌ، وكذلك القران، وفيه التصريح بإنكاره على عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- منع التمتع، وقد سبق تأويل فعل عمر -رضي الله عنه- بأنه لم يُرِدْ إبطال التمتع، بل ترجيح الإفراد عليه. انتهى (٣).

(وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ) بالبناء للفاعل، والفاعل ضمير النبيّ -صلى الله عليه وسلم- (حَتَّى مَضَى لِوَجْهِهِ) أي إلى أن مات النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وفي رواية أبي رجاء الآتية: "ولم يَنْهَ عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى مات" (ارْتَأَى كُلُّ امْرِئٍ) افتعال من الرأي؛ أي: قال كلّ


(١) "شرح الأبيّ" ٣/ ٣٦١.
(٢) راجع: "الفتح" ٤/ ٤٧٣.
(٣) "شرح النوويّ" ٨/ ٢٠٦.