شخص برأيه (بَعْدُ) بالبناء على الضمّ؛ لقطعها عن الإضافة، ونيّة معناها؛ أي بعد موت النبيّ -صلى الله عليه وسلم- (مَا شَاءَ أَنْ يَرْتَئِيَ)"ما" اسم موصول مفعول به لـ"ارتأى"، أي: قال برأيه الذي شاءه أن يقوله، وفي الرواية التالية:"ارتأى رجلٌ برأيه ما شاء؛ يعني عمر".
وقال في "الفتح": قوله: "قال رجل برأيه ما شاء"، وفي رواية أبي العلاء:"ارتأى كلُّ امرئ بعدُ ما شاء أن يرتئي"، قائل ذلك هو عمران بن حصين، ووَهِمَ مَن زَعَمَ أنه مُطَرِّف الراوي عنه؛ لثبوت ذلك في رواية أبي رجاء، عن عمران، كما ذكرته قبلُ.
وحَكَي الحميديّ أنه وقع في البخاريّ في رواية أبي رجاء، عن عمران: قال البخاريّ: يقال: إنه عمر؛ أي الرجل الذي عناه عمران بن حصين، قال الحافظ: ولم أر هذا في شيء من الطرق التي اتصلت لنا من البخاريّ، لكن نقله الإسماعيليّ عن البخاريّ كذلك، فهو عمدة الحميديّ في ذلك.
وبهذا جزم القرطبيّ، والنوويّ، وغيرهما، وكأن البخاريّ أشار بذلك إلى رواية الْجُرَيريّ، عن مطرِّف، فقال في آخره:"ارتأى رجل برأيه ما شاء؛ يعني عمر"، كذا في الأصل، أخرجه مسلم عن محمد بن حاتم، عن وكيع، عن الثوريّ، عنه.
وقال ابن التين: يَحْتَمِل أن يريد عمرَ، أو عثمانَ.
وأغرب الكرمانيّ، فقال: ظاهر سياق كتاب البخاريّ أن المراد به عثمان، وكأنه لقرب عهده بقصة عثمان مع علي جزم بذلك، وذلك غير لازم، فقد سبقت قصة عمر مع أبي موسى في ذلك، ووقعت لمعاوية أيضًا مع سعد بن أبي وقاص في "صحيح مسلم" قصة في ذلك، والأولى أن يُفَسَّر بعمر، فإنه أول مَن نَهَى عنها، وكأن من بعده كان تابعًا له في ذلك.
ففي "صحيح مسلم" أيضًا أن ابن الزبير كان ينهى عنها، وابن عباس يأمر بها، فسألوا جابرًا، فأشار إلى أن أول مَن نَهَى عنها عمر. انتهى كلام الحافظ رحمه اللهُ، وهو تحقيق نفيس، خلاصته أن المعنيّ بقوله في حديث عمران -رضي الله عنه-: قال رجل برأيه، هو عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه-، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.