للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ثم أهلّ بالحج وقد قدَّمنا: أن معنى قول ابن عباس -رضي الله عنهما-: إنه -صلى الله عليه وسلم- أحرم بعمرة أنه أردف كما قال ابن عمر، وبدليل الإجماع من النَّقَلَة على أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لم يحلَّ من إحرامه ذلك حتى قَضَى حجَّه.

ويمكن أن تُحْمَل رواية مَن روى أنه -صلى الله عليه وسلم- أفرد الحج؛ على أن الراوي سمع إردافه بالحجّ على العمرة المتقدَّمة، فسمعه يقول: "لبيك بحج"، ولم يكن عنده علم من إحرامه المتقدَّم بالعمرة.

وقد استَدَلّ من قال بتفضيل الإفراد بأن أبا بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهم- رأوا ذلك، وأحرموا به مدَّة ولايتهم.

والجواب: بان ذلك رأيهم، لا روايتهم، ومن نَصَّ وحَكَى حُجَّةٌ على من ظنَّ ورأى. وقد تقدَّم ذكر من قال بتفضيل القِران على الإفراد، وعمل به من الصحابة -رضي الله عنهم-. انتهى كلام القرطبيّ رَحِمَهُ اللهُ (١).

قال الجامع عفا الله عنه: قد تقدّم تحقيق هذه المسألة في بيان الاختلاف في صفة حجة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- (٢)، وأنه لا اختلاف بين هذه الأحاديث، بل هي محمولة على أوجه صحيحة، لا تعارض بينها، وذلك أنه -صلى الله عليه وسلم- كان أول ما لبّى لبّى قارنًا، كما أمره الملك في وادي العقيق بذلك، ثم بعد ذلك كان يلبّي، فيقول تارةً: لبيك حجًا، وتارة يقول: لبيك عمرة، وتارةً يقول: لبيك عمرة وحجة، فسمع الصحابة هذه التلبيات المختلفة، فنقلوها كما سمعوا، فاخبروا بها، وقد صدقوا في كلّ ذلك، وذلك أن من المعلوم أن الحاجّ له أن يلبي كيف شاء، سواء كان قارنًا، أو مفردًا، أو متمتّعًا، ولا حرج عليه في صيغة معيّنة يردّدها أثناء تلبياته، بعد أن يعقد نيته على بعضها، إن شاء قال: لبيك حجة وعمرة، وإن شاء قال: لبيك حجة، وإن شاء: لبيك عمرةً، وإن شاء: لبيك اللهم لبيك دون أن يسميّ شيئًا، كما نقل كلّ هذه الأوجه عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في الأحاديث الصحيحة المذكورة في "الصحيحين"، وغيرهما.


(١) "المفهم" ٣/ ٣٥٨ - ٣٦٠.
(٢) راجع: المسألة الخامسة من شرح الحديث رقم [١٧/ ٢٩١٠] (١٢١١).