أحللنا، ثم أهللنا بالحج، المراد به أيضًا مَن سوى عائشة، وهكذا تأوله القاضي عياض، والمراد الإخبار عن حجتهم مع النبيّ -صلى الله عليه وسلم- حجة الوداع على الصفة التي ذكرت في أول الحديث، وكان المذكورون سوى عائشة مُحرمين بالعمرة، وهي عمرة الفسخ التي فسخوا الحجّ إليها، وإنما لم تَسْتَثن عائشة؛ لشهرة قصتها.
قال القاضي عياض: وقيل: يَحْتَمِل أن أسماء أشارت إلى عمرة عائشة التي فعلتها بعد الحجّ مع أخيها عبد الرحمن من التنعيم.
قال القاضي: وأما قول من قال: يَحْتَمِل أنها أرادت في غير حجة الوداع، فخطأٌ؛ لأن في الحديث التصريح بأن ذلك كان في حجة الوداع. انتهى كلام القاضي.
وذكر مسلم رَحِمَهُ اللهُ بعد هذه الرواية رواية إسحاق بن إبراهيم، وفيها: أن أسماء قالت: خرجنا محرمين، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من كان معه هديٌ فليُقِم على إحرامه، ومن لم يكن معه هديٌ فليحلل"، فلم يكن معي هديٌ، فحللت، وكان مع الزبير هديٌ، فلم يحلّ، فهذا تصريح بأن الزبير لم يتحلل في حجة الوداع قبل يوم النحر، فيجب استثناؤه مع عائشة، أو يكون إحرامه بالعمرة، وتحلله منها في غير حجة الوداع، والله أعلم. انتهى كلام النوويّ رَحِمَهُ اللهُ (١).
وقوله:(وَقَدْ كَذَبَ فِيمَا ذَكَرَ مِنْ ذَلِكَ) هذا من كلام عروة رَحِمَهُ اللهُ، أعاده للتوكيد؛ يعني أن الرجل الذي ادّعى بأنه -صلى الله عليه وسلم-، وأصحابه حلّوا بمجرد الطواف كاذبٌ في دعواه؛ لأنهم ما تحلّلوا إلا بعد انتهائهم من أفعال العمرة بالطواف والسعي، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث عائشة -رضي الله عنها- هذا متّفقٌ عليه.