للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

من سمعه أو رآه أنه بخلاف ما هو به، فهو تمويه الباطل بما يُوهِم أنه حَقّ. انتهى (١).

وقال في "الفتح": وضابط الزور وَصْفُ الشيء على خلاف ما هو به، وقد يُضاف إلى القول، فيشمل الكذب والباطل، وقد يُضاف إلى الشهادة، فيختصّ بها، وقد يضاف إلى الفعل، ومنه "لابس ثوبي زور"، ومنه تسمية الشعر الموصول زُورًا، كما سيأتي في موضعه، وقد اختُلف في المراد بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان: ٧٢]، والراجح أن المراد به الباطل، والمراد أنهم لا يحضرونه. انتهى (٢).

وقال ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى: ينبغي أن يُحمل قول الزور على شهادة الزور؛ لأنا لو حملناه على الإطلاق لزم أن تكون الكذبة الواحدة مطلقًا كبيرة، وليس كذلك، وقد نصّ الفقهاء على أن الكذبة الواحدة، وما يقاربها لا تُسقط العدالة، ولو كانت كبيرة لأسقطت، وقد نصّ الله تعالى على عظم بعض الكذب، فقال تعالى: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (١١٢)} [النساء: ١١٢]، وعظم الكذب ومراتبه متفاوتة بحسب تفاوت مفاسده، وقد نَصَّ في الحديثِ الصحيح على أن الغيبة والنميمة كبيرة، والغيبة تختلف بحسب القول المغتاب به، فالغيبة بالقذف كبيرة؛ لإيجابها الحدّ، ولا تساويها الغيبة بقبح الخِلْقة، أو الهيئة في اللباس مثلًا، وليس العقوق، وقول الزور مساويًا للإشراك بالله قطعًا إلَّا إذا فعل ذلك معتقدًا حلّه، ومعلوم أن الكافر شاهد بالزور، وقائل به. انتهى (٣).

وقال غيره: يجوز أن يكون من عطف الخاصّ على العامّ؛ لأن كلّ شهادة زور قول زور بغير عكس، ويُحْمَل قول الزور على نوع خاص منه.

ورجّح الحافظ ما قاله الشيخ ابن دقيق العيد، قال: ويؤيده وقوع الشك في ذلك في حديث أنس - رضي الله عنه - الذي بعده، فدلّ على أن المراد شيء واحد.


(١) "شرح مسلم" ٢/ ٨٤.
(٢) "الفتح" ١٠/ ٤٢٦ "كتاب الأدب" رقم الحديث (٥٩٧٧).
(٣) "إحكام الأحكام" ٤/ ٤٤٤، و"الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" ١٠/ ٣٨ - ٣٩.