في الأربع؛ لأن هيأتها السكينة فلا تغير، ويختص بالرجال، فلا رمل على النساء، ويختص بطواف يعقبه سعي على المشهور (١)، ولا فرق في استحبابه بين ماش وراكب ولا دم بتركه عند الجمهور، واختلف في ذلك المالكية.
قال الشوكانيّ رحمهُ اللهُ: وقد روي عن مالك رحمهُ اللهُ أن عليه دمًا ولا دليل على ذلك، ثم قال: يؤيده أنهم اقتصروا عند مراءاة المشركين على الإسراع إذا مروا من جهة الركنين الشاميين؛ لأن المشركين كانوا بإزاء تلك الناحية يعني ناحية الحجر، فإذا مروا بين الركنين اليمانيين مشوا على هيأتهم كما هو مبيّن في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- عند الشيخين، ولما رَمَلُوا في حجة الوداع أسرعوا في جميع كل طوفة فكانت سنة مستقلة.
وقال الطبريّ رحمهُ اللهُ: قد ثبت أن الشارع سَعَى ولا مشرك يومئذ بمكة، يعني في حجة الوداع، فعُلم أنه من مناسك الحج، إلا أن تاركه ليس تاركًا لعمل، بل لهيأة مخصوصة، فكان كرفع الصوت بالتلبية، فمن لبى خافضًا صوته لم يكن تاركًا للتلبية، بل لصفتها، ولا شيء عليه. انتهى.
٤ - (ومنها): ما قيل: إن قيل: ما الحكمة في الرمل بعد زوال علته التي شرع من أجلها، والغالب اطراد العلة وانعكاسها بحيث يدور معها المعلَّل بها وجودًا وعدمًا؟.
[فالجواب]: أن بقاء حكم الرمل مع زوال علته لا ينافي أن لبقائه علة أخرى، وهي أن يتذكر به المسلمون نعمة الله عليهم، حيث كَثَّرهم، وقوّاهم بعد القلّة والضعف، كما قال الله تعالى:{وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ} الآية [الأنفال: ٢٦]، وقال تعالى عن نبيّه شعيب:{وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ} الآية [الأعراف: ٨٦]، وصيغة الأمر في قوله:{اذْكُرُوا} في الآيتين تدلّ على تحتم ذكر النعمة بذلك، وإذاً فلا مانع من كون الحكمة في بقاء حكم الرمل هي تذكّر نعمة الله بالقوّة بعد الضعف، والكثرة بعد القلة.
(١) تقدّم أن اشتراط تقدّم السعي يحتاج إلى دليل، فتنبّه.