للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ومما يؤيده أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رَمَلَ في حجة الوداع بعد زوال العلة المذكورة، فلم يمكن بعد ذلك تركه لزوالها.

قال الحافظ رحمهُ اللهُ: إن عمر -رضي الله عنه- كان هَمّ بترك الرمل في الطواف؛ لأنه عرف سببه، وقد انقضى، فَهَمّ أن يتركه؛ لفقد سببه، ثم رجع عن ذلك؛ لاحتمال أن تكون له حكمة ما اطّلَع عليها، فرأى أن الاتباع أولى من طريق المعنى.

وأيضًا إن فاعل ذلك إذا فعله تذكّر السبب الباعث على ذلك، فيتذكر نعمة الله على إعزاز الإسلام وأهله. انتهى (١).

وقال الشاه ولي الله الدهلويّ رحمهُ اللهُ: إن مشروعية الرمل، والاضطباع في الطواف؛ لمعان: منها: ما ذكره ابن عباس -رضي الله عنهما- من إخافة قلوب المشركين، وإظهار صولة المسلمين، وكان أهل مكة يقولون: وَهَنَتهم حُمَّى يَثْرِب، فهو فعل من أفعال الجهاد، وهذا السبب قد انقضى ومضى، ومنها تصوير الرغبة في طاعة الله، وأنه لم يزده السفر الشاسع، والتعب العظيم إلا شوقًا ورغبةً، كما قال الشاعر [من البسيط]:

إَذَا اشْتَكَتْ مِنْ كَلَالِ السَّيْرِ وَاعَدَهَا … رَوْحُ الْوِصَالِ فَتَحْيَى عِنْدَ مِيعَادِ (٢)

٥ - (ومنها): بيان الإسراع في السعي في الطواف بين الصفا والمروة.

قال العلامة ابن قدامة رحمهُ اللهُ: إن الرمل في بطن الوادي سنة مستحبة؛ لأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- سَعَى، وسَعَى أصحابه -رضي الله عنهم-، فرَوَت صفية بنت شيبة، عن أم ولد شيبة، قالت: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسعى بين الصفا والمروة، ويقول: "لا يُقْطَع الأبطح إلا شدًّا"، رواه النسائيّ وابن ماجه (٣).

وليس ذلك بواجب، ولا شيء على تاركه، فإن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: إن أسع بين الصفا والمروة، فقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسعى، وإن أمش فقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمشي، وأنا شيخ كبير. رواه أبو داود، وابن ماجه (٤).

ولأن ترك الرمل في الطواف بالبيت لا شيء فيه، فبين الصفا والمروة أولى. انتهى كلام ابن قُدامة رحمهُ اللهُ.


(١) "الفتح" ٤/ ٥٣٥.
(٢) راجع: "المرعاة" ٩/ ٨٨ - ٩٠.
(٣) حديث صحيح.
(٤) حديث صحيح.