وكذلك عند الحنفية والمالكية كما صرح به في فروعهم، قاله في "المرعاة"(١).
٦ - (ومنها): أنه قيل في وجه مشروعية السعي الشديد، والجري في بطن الوادي: ما رواه البخاريّ عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، ومحصله: أن هاجر لما تركها إبراهيم عليه السَّلام عند البيت عند دَوْحَة فوق زمزم، في أعلى المسجد، عَطِشَت، وعَطِش ابنها حين نَفِد ما في السقاء من الماء، وانقطع دَرّها، واشتد جوعهما، حتى نظرت إلى ابنها يتشحّط، ويَتَلَوَّى، فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فقامت على الصفا، وهو أقرب جبل يليها، ثم استقبلت الوادي، تنظر هل ترى أحدًا، فلم تر أحدًا، فهَبَطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها، ثم سعت سعي الإنسان المجهود، حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة، فقامت عليها، ونظرت هل ترى أحدًا، فلم تر أحدًا، ففعلت ذلك سبع مرات، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: فلذلك سعى الناس بينهما، فجُعِل ذلك نسكًا؛ إظهارًا لشرفهما، وتفخيمًا لأمرهما.
قال الشاه ولي الله الدهلوي رحمهُ اللهُ: السر في السعي بين الصفا والمروة، على ما ورد في الحديث أن هاجر أم إسماعيل؛ لما اشتد بها الحال سعت بينهما سعي الإنسان المجهود، فكشف الله عنهما الجهد بإبداء زمزم، وإلهام الرغبة في الناس أن يعمروا تلك البقعة، فوجب شكر تلك النعمة على أولاده، ومن تبعهم، وتذكُّر تلك الآية الخارقة لتبهت بهيميّتهم، وتدلّهم على الله، ولا شيء في هذا مثل أن يعضد عقد القلب بهما بفعل ظاهر منضبط مخالف لمألوف القوم، فيه تذلل عند أول دخولهم مكة، وهو محاكاة ما كانت فيه من العناء والجهد، وحكاية الحال في مثل هذا أبلغ بكثير من لسان المقال. انتهى.
وروى أحمد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن إبراهيم عليه السَّلام لما أُمِر بالمناسك عَرَض الشيطان له عند السعي، فسابقه فسبقه إبراهيم.
وقبل: إنما سعى نبينا -صلى الله عليه وسلم-؛ إظهارًا للجَلَد والقوّة للمشركين الناظرين إليه