ورواه ابن أبي شيبة في "مصنّفه" عن الحسن البصريّ، وعطاء بن أبي رباح، وحكاه ابن المنذر عن قتادة، وسفيان الثوريّ، وحكى ابن عبد البرّ عن الثوريّ أنه إن نسيه حتى رجع إلى بلده أجزأه دم، وعن أبي حنيفة، وصاحبيه: إن تركه عمدًا، أو نسيانًا، فعليه دم، وذكر صاحب "الهداية" من الحنفيّة أن قوله تعالى: {لَا جُنَاحَ} يستعمل مثله للإباحة، فينفي الركنيّة، والإيجاب، ولأن الركنيّة لا تثبت إلا بدليل مقطوع به، ولم يوجد، ثم معنى ما رُوي: كتب استحبابًا، كما في قوله تعالى:{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} الآية [البقرة: ١٨٠]. انتهى.
قال الحافظ وليّ الدين رحمهُ اللهُ:[فإن قلت]: قد قال أوّلًا بالوجوب، فكيف قال آخرًا بالاستحباب؟.
[قلت]: لم يقل آخرًا بالاستحباب، وإنما قال: إن مثل هذه الصيغة، وهي "كُتب" تستعمل في الاستحباب، كما في الآية التي استشهد بها، ثم هو منازع فيما ذكره في هذه الآية، بل هي على بابها من الوجوب، وكانت قبل نزول آية المواريث، ثم نُسِخت بها، كما هو مقرر في التفسير، والله أعلم انتهى.
(المذهب الثالث): أنه سنة، ليس بركن، ولا واجب، وهو رواية عن أحمد، ورواه ابن أبي شيبة عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، أنه قال: إن شاء سعى، وإن شاء لم يسع، وعن عطاء: أنه كان لا يرى على من لم يسعَ شيئًا، قيل له: قد ترك شيئًا من سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: ليس عليه، وكان يفتي في العلانية بدم، وقال ابن المنذر: كان أنس بن مالك، وعبد الله بن الزبير، وابن سيرين -رضي الله عنهم- يقولون: هو تطوّع، وقد روينا أن في مصحف أُبيّ بن كعب، وابن مسعود:"فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما"، وحكى ابن حزم أن ابن عباس كان يقرأ:"فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما"، ثم قال: هذا قول من ابن عباس، لا إدخال منه في القرآن، ثم حكى ابن حزم هذه القراءة عن أنس، قال: وهو قول عطاء، ومجاهد، وميمون بن مهران. وروى البيهقيّ في "المعرفة" هذه القراءة عن ابن عباس، وأنه قال: فنسختها هذه الآية: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ}[البقرة: ١٣٠]، فلما نزلت طافوا بين الصفا والمروة، قال