للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المكلّف أعضاءه بنفسه، فكما لا يصلّي أحد عن غيره، فكذلك الوضوء، إلا إذا دلّ دليل على خلاف ذلك، مثل صبّ الماء، ونحوه، ولم يوجد في هذا دليلٌ، فيبقى على الأصل، وقد تقدّم تحقيق ذلك في "كتاب الطهارة" من هذا الشرح، فراجعه تستفد، وبالله تعالى التوفيق.

(فَتَوَضَّأَ وُضُوءًا خَفِيفًا) أي: خففه، بأن توضأ مرةً مرةً، أو خَفَّفَ استعمال الماء بالنسبة إلى غالب عادته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهذا معنى قوله في رواية مالك الآتية بعد باب، بلفظ: "ولم يسبغ الوضوء"، وأغرب ابن عبد البر، فقال: معنى قوله: "ولم يسبغ الوضوء"، أي استنجى به، وأطلق عليه اسم الوضوء اللغويّ؛ لأنه من الوضاءة، وهي النظافة، ومعنى الإسباغ الإكمال، أي لم يكمل وضوءه، فيتوضأ للصلاة، قال: وقد قيل: إنه توضأ وضوءًا خفيفًا، ولكن الأصول تدفع هذا؛ لأنه لا يُشْرَع الوضوء لصلاة واحدة مرتين، وليس ذلك في رواية مالك، ثم قال: وقد قيل: إن معنى قوله: "ولم يسبغ الوضوء"، أي لم يتوضأ في جميع أعضاء الوضوء، بل اقتصر على بعضها، واستضعفه. انتهى.

وحَكَى ابن بطال أن عيسى بن دينار من قدماء أصحابهم سبق ابن عبد البرّ إلى ما اختاره أوّلًا، وهو متعقب بهذه الرواية الصريحة، وقد تابع محمد بن أبي حرملة عليها محمد بن عقبة أخو موسي، أخرجه مسلم بعد باب بمثل لفظه، وتابعهما إبراهيم بن عقبة أخو موسى أيضًا، أخرجه مسلم أيضًا بعد باب بلفظ: "فتوضأ وضوءًا ليس بالبالغ".

وفي رواية للبخاريّ في "الطهارة" من طريق يزيد بن هارون، عن يحيى بن سعيد، عن موسى بن عقبة، بلفظ: "فجعلت أصبّ عليه، ويتوضأ"، ولم تكن عادته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يباشر ذلك أحد منه حال الاستنجاء.

ويوضحه ما أخرجه مسلم أيضًا بعد باب من طريق عطاء مولى ابن سباع، عن أسامة، في هذه القصة قال فيها أيضًا: "ذهب إلى الغائط، فلما رجع صببت عليه من الإداوة".

قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: اختَلَف الشراح في قوله: "ولم يسبغ الوضوء"، هل المراد به: اقتَصَر به على بعض الأعضاء، فيكون وضوءًا لغويًّا، أو اقتَصَر على بعض العدد، فيكون وضوءًا شرعيًّا؟، قال: وكلاهما مُحْتَمِلٌ، لكن يعضد من