قال بالثاني قوله في الرواية الأخرى:"وضوءًا خفيفًا"؛ لأنه لا يقال في الناقص خفيف، ومن موضحات ذلك أيضًا قول أسامة - رضي الله عنه - له:"الصلاةَ"، فإنه يدلّ على أنه رآه يتوضأ وضوءه للصلاة، ولذلك قال له:"أتصلي؟ "، كذا قال ابن بطال، وفيه نظرٌ؛ لأنه لا مانع أن يقول له ذلك؛ لاحتمال أن يكون مراده: أتريد الصلاة؟ فلمَ لمْ تتوضأ وضوءها؟، وجوابه بأن الصلاة أمامك، معناه أن المغرب لا تصلى هنا، فلا تحتاج إلى وضوء الصلاة، وكأن أسامة - رضي الله عنه - ظَنّ أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نسي صلاة المغرب، ورأى وقتها قد كاد أن يخرج، أو خرج، فأعلمه النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنها في تلك الليلة يشرع تأخيرها؛ لتُجْمَع مع العشاء بالمزدلفة، ولم يكن أسامة يَعْرِف تلك السُّنّة قبل ذلك.
وأما اعتلال ابن عبد البر بأن الوضوء لا يُشْرَع مرتين لصلاة واحدة، فليس بلازم؛ لاحتمال أنه توضأ ثانيًا عن حدث طارئ، وليس الشرط بأنه لا يُشرع تجديد الوضوء إلا لمن أَدَّى به صلاةً فرضًا أو نَفْلًا متّفقًا عليه، بل ذهب جماعة إلى جوازه، وإن كان الأصح خلافه.
قال الجامع عفا الله عنه: قد تقدّم تحقيق هذه المسألة في "كتاب الطهارة"، وأن الأرجح أن تجديد الوضوء مشروع، وإن لم يؤدّ به عبادةً؛ لأن الوضوء وإن كان وسيلة للصلاة، إلا أنه عبادة مستقلّة حيث تكفّر به الخطايا، كما سبق في حديث:"إذا توضأ العبد المسلم، فغسل وجهه، خرج من وجهه كلّ خطيئة نظر إليها بعينيه … " الحديث، فراجع شرح هذا الحديث، تستفد علمًا جمًّا، وبالله تعالى التوفيق.
قال: وإنما توضأ أَوّلًا؛ ليستديم الطهارة، ولا سيّما في تلك الحالة؛ لكثرة الاحتياج إلى ذكر الله حينئذ، وخَفّف الوضوء؛ لقلة الماء حينئذ.
وقال الخطابيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: إنما ترك إسباغه حين نزل الشِّعْب؛ ليكون مستصحبًا للطهارة في طريقه، وتجوز فيه؛ لأنه لم يرد أن يصلي به، فلما نزل، وأرادها أسبغه. انتهى (١).
(ثُمَّ قُلْتُ: الصَّلَاةَ يَا رَسُولَ اللهِ؟) بنصب "الصلاةَ" على الإغراء، أو على