يستخرج به أقصى ما عندها، وأصل النصّ غاية المشي، ومنه نَصَصْتُ الشيءَ: رفعته، ثم استُعْمِل في ضرب سريع من السير.
وقال القرطبيّ رحمه الله: النصّ: أرفع السير، يعني أنه كان إذا زاحمه الناس سار برفق لأجلهم، وإذا زال الزحام أسرع، وهذا يدلّ على أن أصل المشروعيّة في ذلك الموضع الإسراع. انتهى (١).
وقال ابن خزيمة رحمه الله: في هذا الحديث دليلٌ على أن الحديث الذي رواه ابن عبّاس عن أسامة أنه قال: "فما رأيت ناقته رافعة يدها حتى أتى جمعًا" أنه محمول على حال الزحام، دون غيره. انتهى.
قال في "الفتح": وأشار بذلك إلى ما أخرجه حفص، من طريق الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، عن أسامة: أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أردفه حين أفاض من عرفة، وقال:"أيها الناس عليكم بالسكينة، فإن البرّ ليس بالإيجاف"، قال: فما رأيت ناقته رافعة يدها حتى أتى جمعًا … الحديث، أخرجه أبو داود، وأخرجه البخاريّ من حديث ابن عباس، ليس فيه أسامة، وأخرج مسلم من طريق عطاء، عن ابن عباس، عن أسامة في أثناء حديث -يعني الحديث الماضي- قال:"فما زال يسير على هينته حتى أتى جمعًا"، وهذا يشعر بأن ابن عباس إنما أخذه عن أسامة -رضي الله عنهم-. انتهى.
وقال الحافظ ابن عبد البرّ رحمه الله: في هذا الحديث كيفية السير في الدفع من عرفة إلى مزدلفة لأجل الاستعجال للصلاة؛ لأن المغرب لا تُصلّى إلا مع العشاء بالمزدلفة، فيجمع بين المصلحتين، من الوقار والسكينة عند الزحمة، ومن الإسراع عند عدم الزحام. انتهى.
وفيه أيضًا بيان ما كان عليه السلف -رحمهم الله تعالى- من الحرص على السؤال عن كيفية أحواله -صلى الله عليه وسلم- في جميع حركاته، وسكناته؛ ليقتدوا به في ذلك، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.