للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الدعاء من فَعَل الجائز، وإن كان مرجوحًا (١).

٦ - (ومنها): ما قاله النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: مذهبنا المشهور أن الحلق، أو التقصير نُسُك من مناسك الحجّ والعمرة، ورُكْنٌ من أركانهما، لا يحصل واحد منهما إلا به، وبهذا قال العلماء كافّة، وللشافعي قول شاذّ ضعيف، أنه استباحة محظور، كالطيب، واللباس، وليس بنسك، والصواب الأول. انتهى (٢).

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في موضع دعاء النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "اللهم ارحم المحلقين … إلخ":

قال في "الفتح": واختَلَفَ المتكلمون على هذا الحديث في الوقت الذي قال فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك، فقال ابن عبد البرّ: لم يذكر أحدٌ من رواة نافع، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن ذلك كان يوم الحديبية، وهو تقصير، وحَذْفٌ، وإنما جرى ذلك يوم الحديبية حين صُدَّ عن البيت، وهذا محفوظ مشهور، من حديث ابن عمر، وابن عباس، وأبي سعيد، وأبي هريرة، وحُبْشِيّ بن جُنَادة، وغيرهم، ثم أخرج حديث أبي سعيد -رضي الله عنه-، بلفظ: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستغفر لأهل الحديبية للمحلقين ثلاثًا، وللمقصرين مرةً"، وحديثَ ابن عباس -رضي الله عنهما-، بلفظ: حَلَق رجال يوم الحديبية، وقَصَّر آخرون، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "رَحِمَ اللهُ المحلقين … " الحديث، وحديثَ أبي هريرة -رضي الله عنه-، من طريق محمد بن فُضَيل الآتي بعد هذا عند مسلم، ولم يَسُقْ لفظه، بل قال: فذكر معناه، قال الحافظ: وتَجَوَّز في ذلك، فإنه ليس في رواية أبي هريرة تعيين الموضع، ولم يقع في شيء من طرقه التصريح بسماعه لذلك من النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ولو وقع لقطعنا بأنه كان في حجة الوداع؛ لأنه شهدها، ولم يَشهد الحديبية، ولم يَسُقْ ابن عبد البر عن ابن عمر في هذا شيئًا، قال: ولم أقف على تعيين الحديبية في شيء من الطرق عنه، قال: وقد قدّمت في صدر الباب أنه مُخَرَّج من مجموع الأحاديث عنه أن ذلك كان في حجة الوداع، كما يومئ إليه صنيع البخاريّ.

وحديث أبي سعيد الذي أخرجه ابن عبد البر، أخرجه أيضًا الطحاويّ من طريق الأوزاعيّ، وأحمدُ، وابن أبي شيبة، وأبو داود الطيالسيّ من طريق هشام


(١) "الفتح" ٤/ ٦٨٤.
(٢) "شرح النووي" ٩/ ٥٠.