للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والتأخير؛ لما ينالهم في ذلك اليوم من شدّة الزحام، وصعوبة المقام، فهذا مصداق قوله -صلى الله عليه وسلم-: "بُعثتُ بالحنيفيّة السمحة" (١).

٧ - (ومنها): أن البخاريّ -رَحِمَهُ اللهُ- استَدَلّ به على أن من حلف على شيء، ففعله ناسيًا أن لا شيء عليه، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم التقديم والتأخير في أعمال يوم النحر:

(اعلم): اختلفوا في جواز تقديم بعضها على بعض، فأجمعوا على الإجزاء في ذلك، كما قاله ابن قدامة في "المغني"، إلا أنهم اختلفوا في وجوب الدم في بعض المواضع، وقال القرطبي -رَحِمَهُ اللهُ- (٢): رُوي عن ابن عباس، ولم يثبت عنه أن من قَدَّم شيئًا على شيء، فعليه دم، وبه قال سعيد بن جبير، وقتادة، والحسن، والنخعيّ، وأصحاب الرأي. انتهى.

قال في "الفتح": وفي نسبة ذلك إلى النخعيّ، وأصحاب الرأي نظر، فإنهم لا يقولون بذلك، إلا في بعض المواضع، كما سيأتي.

قال: وذهب الشافعيّ، وجمهور السلف، والعلماء، وفقهاء أصحاب الحديث إلى الجواز، وعدم وجوب الدم؛ لقوله للسائل: "لا حرج"، فهو ظاهر في رفع الإثم والفدية معًا؛ لأن اسم الضيق يشملهما.

قال الطحاويّ: ظاهر الحديث يدل على التوسعة في تقديم بعض هذه الأشياء على بعض، قال: إلا أنه يَحْتَمِل أن يكون قوله: "لا حرج" أي لا إثم في ذلك الفعل، وهو كذلك من كان ناسيًا أو جاهلًا، وأما من تعمد المخالفة، فتجب عليه الفدية.

وتُعُقِّب بأن وجوب الفدية يحتاج إلى دليل، ولو كان واجبًا لبيّنه -صلى الله عليه وسلم- حينئذ؛ لأنه وقت الحاجة، ولا يجوز تأخيره.

وقال الطبريّ: لم يسقط النبيّ -صلى الله عليه وسلم- الحرج، إلا وقد أجزأ الفعل؛ إذ لو لم


(١) حيث صحيح، راجع: "السلسلة الصحيحة" للشيخ الألبانيّ -رَحِمَهُ اللهُ- ٦/ ١٠٢٢.
(٢) "المفهم" ٤/ ٦٩٤.