للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يجزئ لأمره بالإعادة؛ لأن الجهل والنسيان لا يضعان عن المرء الحكم الذي يلزمه في الحج، كما لو ترك الرمي ونحوه، فإنه لا يأثم بتركه جاهلًا، أو ناسيًا، لكن يجب عليه الإعادة.

والعجب ممن يَحْمِل قوله: "ولا حرج" على نفي الإثم فقط، ثم يَخُصّ ذلك ببعض الأمور دون بعض، فإن كان الترتيب واجبًا يجب بتركه دم، فليكن في الجميع وإلا فما وجه تخصيص بعض دون بعض، مع تعميم الشارع الجميع بنفي الحرج.

وأما احتجاج النخعيّ، ومن تبعه في تقديم الحلق على غيره بقوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} قال: فمن حلق قبل الذبح أهراق دمًا عنه، رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح، فقد أجيب بأن المراد ببلوغ محله وصوله إلى الموضع الذي يَحِلّ ذبحه فيه، وقد حصل، وإنما يتم ما أراد أن لو قال: ولا تحلقوا حتى تنحروا.

وقال ابن حزم -رَحِمَهُ اللهُ-: أما قول إبراهيم وجابر بن زيد في أن من حلق قبل الذبح والنحر فعليه دم، واحتجاجهم بقول الله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} فغفلة ممن احتجّ بهذا؛ لأن محل الهدي هو يوم النحر بمنى ذُبِح أو نُحر، أو لم يُذْبَح، ولا نُحِر، إذا دخل يوم النحر والهدي بمنى أو بمكة، فقد بلغ محله، فحلّ الحلق، ولم يقل تعالى: حتى تنحروا، أو تذبحوا، وبيّن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن كل ذلك مباح، ولا حجة في قول أحد سواه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. انتهى (١).

واحتج الطحاويّ أيضًا بقول ابن عباس: "مَن قَدَّم شيئًا من نسكه أو أخّره فليهرق لذلك دمًا". قال: وهو أحد مَن روى أن لا حرج، فدل على أن المراد بنفي الحرج نفي الإثم فقط.

وأجيب بأن الطريق بذلك إلى ابن عباس فيها ضعف، فإن ابن أبي شيبة أخرجها، وفيها إبراهيم بن مهاجر، وفيه مقال، وعلى تقدير الصحة فيلزم من يأخذ بقول ابن عباس أن يوجب الدم في كل شيء من الأربعة المذكورة، ولا يخصه بالحلق قبل الذبح، أو قبل الرمي.


(١) "المحلَّى" ٧/ ١٨٣.