للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال ابن دقيق العيد: مَنَعَ مالكٌ، وأبو حنيفة تقديم الحلق على الرمي والذبح؛ لأنه حينئذ يكون حلقًا قبل وجود التحللين، وللشافعي قول مثله، وقد بني القولان له على أن الحلق نسك، أو استباحة محظور، فإن قلنا: إنه نسك جاز تقديمه على الرمي وغيره؛ لأنه يكون من أسباب التحلل، وإن قلنا: إنه استباحة محظور، فلا. قال: وفي هذا البناء نظر؛ لأنه لا يلزم من كون الشيء نسكًا أن يكون من أسباب التحلل؛ لأن النسك ما يثاب عليه، وهذا مالك يرى أن الحلق نسك، ويرى أنه لا يُقَدَّم على الرمي مع ذلك، وقال الأوزاعيّ: إن أفاض قبل الرمي أهراق دمًا، وقال عياض (١): اختُلِف عن مالك في تقديم الطواف على الرمي، وروى ابن عبد الحكم عن مالك أنه يجب عليه إعادة الطواف، فإن توجه إلى بلده بلا إعادة وجب عليه دم، قال ابن بطال: وهذا يخالف حديث ابن عباس، وكأنه لم يبلغه. انتهى، قال الحافظ: وكذا هو في رواية ابن أبي حفصة، عن الزهريّ، في حديث عبد الله بن عمرو، وكأن مالكًا لم يحفظ ذلك عن الزهريّ. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: الذي يظهر لي أن حمل قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ولا حرج" على العموم من نفي الإثم ووجوب الدم هو الأقرب، وأقوى حجة على ذلك أنه لو كان الدم واجبًا لبيّنه -صلى الله عليه وسلم- في ذلك الوقت؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، ثم إن هذا الحكم أيضًا عامّ للناسي، والعامد، وليس تقييد السؤال بقوله: "لم أشعُر" يُخرج العمد، قال الشيخ الشنقيطيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: لا يتضح حمل الأحاديث على من قدم الحق جاهلًا أو ناسيًا، وإن كان سياق حديث عبد الله بن عمرو المتفق عليه يدل على أن السائل جاهل؛ لأن بعض تلك الأحاديث ليس فيها ذكر النسيان ولا الجهل، فيجب استصحاب عمومها حتى يدلّ دليل على التخصيص في النسيان والجهل، وقد تقرر أيضًا في علم الأصول أن جواب المسئول من سأله لا يعتبر فيه مفهوم المخالفة؛ لأن تخصيص المنطوق بالذكر لمطابقة الجواب للسؤال، فلم يتعين كونه لإخراج المفهوم عن حكم المنطوق.


(١) "إكمال المعلم" ٤/ ٣٨٩.
(٢) "الفتح" ٤/ ٦٩٤، ٦٩٥.