غيره، وحيث نفاها أراد ما في علمه؛ لكونه لم يره -صلى الله عليه وسلم- حين صلى، وسيأتي مزيد بسط فيه في الكلام على حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- إن شاء الله تعالى- (١).
(قَالَ) بلال -رضي الله عنه- (جَعَلَ) النبيّ -صلى الله عليه وسلم- (عَمُودَيْنِ عَنْ يَسَاره، وَعَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ، وَثَلَاَثَه أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ) كذا في هذه الرواية، ولا إشكال فيها، ووقع في رواية للبخاريّ:"جعل عمودًا عن يساره، وعمودًا عن يمينه، وثلاثة أعمدة وراءه، وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة"، ولا يخفى ما فيها من الإشكال؛ إذ في قوله:"وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة"، إشعار بكون ما عن يمينه أو يساره اثنين.
وأجيب بأن التثنية بالنظر إلى ما كان عليه البيت في زمن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، والإفراد بالنظر إلى ما صار إليه بعدُ، ويؤيده قوله:"وكان البيت يومئذ"؛ لأن فيه إشعارًا بأنه تغير عن هيئته الأولى.
أو يقال: لفظ العمود جنس يَحْتَمِل الواحد والاثنين، فهو مُجْمَل بيّنته رواية: عمودين، أو لم تكن الأعمدة الثلاثة على سمت واحد، بل عمودان متسامتان، والثالث على غير سمتهما، ولفظ "المقدمين" في الرواية الأخرى ليشعر به، أو كان هناك ثلاثة أعمدة مصطفّة، فصلى إلى جنب الأوسط، فمن قال: جعل عمودًا عن يمينه وعمودًا عن يساره، لم يعتبر الذي صلى إلى جنبه، ومن قال: عمودين اعتبره.
[تنبيه]: قال البخاريّ بعد الرواية المذكورة: وقال لنا إسماعيل: حدّثني مالك، وقال:"عمودين عن يمينه"، عكس رواية يحيى بن يحيى، عن مالك هنا، وإسماعيل هو ابن أبي أويس.
قال في "الفتح": وقد ذكر الدارقطنيّ الاختلاف على مالك فيه، فوافق الجمهور عبد الله بن يوسف في قوله:"عمودًا عن يمينه، وعمودًا عن يساره"، ووافق إسماعيل في قوله:"عمودين عن يمينه": ابن القاسم، والقعنبيّ، وأبو مصعب، ومحمد بن الحسن، وأبو حُذافة، وكذا الشافعيّ، وابن مهديّ في إحدى الروايتين عنهما، وقال يحيى بن يحيى النيسابوريّ فيما رواه عنه مسلم: