(الوجه السابع والخمسون): أنه نَهَى المرأة إذا خرجت إلى المسجد أن تتطيب، أو تصيب بَخُورًا، وذلك لأنه ذريعة إلى ميل الرجال، وتشوّفهم إليها، فإن رائحتها وزينتها وصورتها، وإبداء محاسنها تدعو إليها، فأمرها أن تخرُج تَفِلَةً، وأن لا تتطيب، وأن تقف خلف الرجال، وأن لا تسبّح في الصلاة إذا نابها شيءٌ، بل تُصَفِّق ببطن كفها على ظهر الأخرى، كلُّ ذلك سدًّا للذريعة، وحمايةً عن المفسدة.
(الوجه الثامن والخمسون): أنه نَهَى أن تَنْعَت المرأةُ المرأةَ لزوجها، حتى كأنه ينظر إليها، ولا يخفى أن ذلك سدٌّ للذريعة، وحمايةٌ عن مفسدة وقوعها في قلبه، وميله إليها بحضور صورتها في نفسه، وكم ممن أحبّ غيره بالوصف قبل الرؤية.
(الوجه التاسع والخمسون): أنه نَهَى عن الجلوس بالطرقات، وما ذاك إلا لأنه ذريعة إلى النظر إلى المحرم، فلما أخبروه أنه لا بُدّ لهم من ذلك، قال:"أعطوا الطريق حقه"، قالوا: وما حقه؟ قال:"غض البصر، وكفّ الأذى، ورَدّ السلام".
(الوجه الستون): أنه نَهَى أن يبيت الرجل عند امرأة، إلا أن يكون ناكحًا، أو ذا رحم محرم، وما ذاك إلا لأن المبيت عند الأجنبية ذريعةٌ إلى المحرم.
(الوجه الحادي والستون): أنه نَهَى أن تباع السِّلَعُ حيث تباع، حتى تُنْقَل عن مكانها، وما ذاك إلا لأنه ذريعة إلى جَحْد البائع البيع، وعدم إتمامه، إذا رأى المشتري قد رَبِحَ فيها، فيغرّه الطمع، وتشحّ نفسه بالتسليم، كما هو الواقع، وأَكَّد هذا المعنى بالنهي عن ربح ما لم يُضْمَن، وهذا من محاسن الشريعة، وألطف باب لسدّ الذرائع.
(الوجه الثاني والستون): أنه نَهَى عن بيعتين في بيعة، وهو الشرطان في البيع في الحديث الآخر، وهو الذي لعاقده أوكس البيعتين، أو الربا في الحديث الثالث، وذلك سدّ لذريعة الربا، فإنه إذا باعه السلعة بمائة مؤجلة، ثم اشتراها منه بمائتين حالّة، فقد باع بيعتين في بيعة، فإن أخذ بالثمن الزائد أخذ بالربا، وإن أخذ بالناقص أخذ بأوكسهما، وهذا من أعظم الذرائع إلى الربا،