وأبعد كلَّ البعد مَن حَمَل الحديث على البيع بمائة مؤجلة، أو خمسين حالّة، وليس ههنا ربا، ولا جهالة، ولا غرر، ولا قمار، ولا شيء من المفاسد، فإنه خَيَّره بين أيِّ الثمنين شاء، وليس هذا بأبعد من تخييره بعد البيع بين الأخذ والإمضاء ثلاثة أيام، وأيضًا فإنه فَرَّق بين عقدين، كل منهما ذريعةٌ ظاهرةٌ جدًّا إلى الربا، وهما السلف والبيع، والشرطان في البيع، وهذان العقدان بينهما من النسب والإخاء، والتوسل بهما إلى أكل الربا ما يقتضي الجمع بينهما في التحريم، فصلوات الله وسلامه على مَنْ كلامه الشفاء والعصمة والهدى والنور.
(الوجه الثالث والستون): أنه أَمَر أن يُفَرَّق بين الأولاد في المضاجع، وأن لا يُترَك الذكر ينام مع الأنثى في فراش واحد؛ لأن ذلك قد يكون ذريعةً إلى نسج الشيطان بينهما المواصلة المحرمة بواسطة اتحاد الفراش، ولا سيما مع الطول، والرجل قد يعبث في نومه بالمرأة في نومها إلى جانبه، وهو لا يشعر، وهذا أيضًا من ألطف سدّ الذرائع.
(الوجه الرابع والستون): أنه نَهَى أن يقول الرجل: خَبُثت نفسي، ولكن ليقل: لَقِسَت نفسي، سدًّا لذريعة اعتياد اللسان للكلام الفاحش، وسدًّا لذريعة اتصاف النفس بمعنى هذا اللفظ، فإن الألفاظ تتقاضى معانيها، وتطلبها بالمشاكلة والمناسبة التي بين اللفظ والمعنى، ولهذا قَلَّ مَن تجده يعتاد لفظًا، إلا ومعناه غالب عليه، فَسَدَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذريعةَ الخبث لفظًا ومعنى، وهذا أيضًا من ألطف الباب.
(الوجه الخامس والستون): أنه نَهَى الرجل أن يقول لغلامه وجاريته: عبدي وأمتي، ولكن يقول: فتاي وفتاتي، ونَهَى أن يقول لغلامه: وَضِّئ ربك، أطعم ربك؛ سدًّا لذريعة الشرك في اللفظ والمعنى، وإن كان الربّ ها هنا هو المالك، كرب الدار، ورب الإبل، فعَدَل عن لفظ العبد والأمة إلى لفظ الفتى والفتاة، ومنع من إطلاق لفظ الرب على السيد؛ حمايةً لجانب التوحيد، وسدًّا لذريعة الشرك.
(الوجه السادس والستون): أنه نَهَى المرأة أن تسافر بغير محرم، وما ذاك إلا أن سفرها بغير محرم، قد يكون ذريعةً إلى الطمع فيها، والفجور بها.
(الوجه السابع والستون): أنه نَهَى عن تصديق أهل الكتاب وتكذيبهم،