للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"كتاب مكة"، من طريق علي بن بَذِيمة، وهو تابعيّ، وأبوه- بفتح الموحدة، ثم معجمة، بوزن عظيمة- قال: "دخل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- الكعبة، ودخل معه بلال، وجلس أسامة على الباب، فلما خرج وجد أسامة، قد احتبى، فأخذ بحبوته، فحلّها … " الحديث، فلعله احتبى، فاستراح، فنعس، فلم يشاهد صلاته، فلما سئل عنها نفاها، مستصحبًا للنفي، لقصر زمن احتبائه، وفي كل ذلك إنما نفى رؤيته، لا ما في نفس الأمر. هذا جمع بطريقة الترجيح.

ومنهم من جمع بينهما بغير ترجيح أحدهما على الآخر، وذلك من أوجه:

[أحدها]: حمل الصلاة المثبتة على اللغوية، والمنفية على الشرعية، وهذه طريقة من يكره الصلاة داخل الكعبة، فرضًا ونفلًا، وقد تقدم البحث فيه، ويردّ هذا الحمل ما تقدم في بعض طرقه، من تعيين قدر الصلاة، فظهر أن المراد بها الشرعية، لا مجرد الدعاء.

قال الحافظ أبو عمر -رحمه الله- في "التمهيد" بعد أن أورد آثارًا، ما نصّه: فهذه آثارٌ تَشْهَد لصحة قول ابن عمر عن بلال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى فيها الصلاة المعهودة، لا الدعاء. انتهى (١).

[ثانيها]: قال القرطبيّ: يمكن حمل الإثبات على التطوع، والنفي على الفرض، وهذه طريقة المشهور من مذهب مالك، وقد تقدم البحث فيها.

[ثالثها]: قال المهلّب شارح البخاريّ: يَحْتَمِل أن يكون دخول البيت وقع مرتين، صلى في إحداهما، ولم يصلّ في الأخرى.

وقال ابن حبان: الأشبه عندي في الجمع أن يُجعل الخبران في وقتين، فيقال: لمّا دخل الكعبة في الفتح صلى فيها، على ما رواه ابن عمر، عن بلال، ويجعل نفي ابن عباس الصلاة في الكعبة في حجته التي حج فيها؛ لأن ابن عباس نفاها، وأسنده إلى أسامة، وابنُ عمر أثبتها، وأسند إثباته إلى بلال، وإلى أسامة أيضًا، فإذا حمل الخبر على ما وصفنا بطل التعارض.

قال الحافظ: وهذا جمع حسن، لكن تعقبه النوويّ بأنه لا خلاف أنه -صلى الله عليه وسلم-


(١) "التمهيد لابن عبد البرّ" ١٥/ ٣١٨.