دخل في يوم الفتح، لا في حجة الوداع، ويشهد له ما روى الأزرقي في "كتاب مكة" عن سفيان، عن غير واحد من أهل العلم أنه -صلى الله عليه وسلم- إنما دخل الكعبة مرة واحدة عام الفتح، ثم حج، فلم يدخلها، وإذا كان الأمر كذلك، فلا يمتنع أن يكون دخلها عام الفتح مرتين، ويكون المراد بالواحدة التي في خبر ابن عيينة: وحدة السفر، لا الدخول، وقد وقع عند الدارقطنيّ من طريق ضعيفة ما يشهد لهذا الجمع، والله تعالى أعلم.
قال: ويؤيد الجمع الأول ما أخرجه عمر بن شبة في "كتاب مكة" من طريق حماد، عن أبي حمزة، عن ابن عباس، قال:"قلت له: كيف أصلي في الكعبة؟ قال: كما تصلي في الجنازة، تسبّح، وتكبّر، ولا تركع، ولا تسجد"، وسنده صحيح. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله عنه: أحسن الأجوبة عندي جواب من حمل نفي أسامة على نفي علمه، فلا ينافي إثبات بلال، وأما ابن عباس، فنفيه مستند إلى غيره، فجوابه جواب مستنده، وأما ما نُقِل من إثبات أسامة، فإن صح، فجوابه ما أجاب به ابن حبان، من تعدد الواقعة، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثامنة): لم يبيّن في رواية المصنف هنا، ولا في أكثر الروايات عدد ركعات صلاته -صلى الله عليه وسلم-، بل في حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: ونسيت أن أسأله -يعني بلالًا- كم صلى؟ لكن في أوائل الصلاة من "صحيح البخاريّ" عن مسدد، عن يحيى، عن سيف، عن مجاهد، قال:"أُتي ابن عمر -رضي الله عنهما-، فقيل له: هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل الكعبة، قال ابن عمر: فأقبلت، والنبيّ -صلى الله عليه وسلم- قد خرج، وأجد بلالًا قائمًا بين البابين، فسألت بلالًا، فقلت: صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الكعبة؟ قال: نعم؛ ركعتين بين الساريتين اللتين على يساره، إذا دخلت، ثم خرج، فصلى في وجه الكعبة ركعتين".
وقد أعادها البخاري في "باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى"، رواها عن أبي نعيم، عن سيف، وليس فيها هذه الزيادة، وهي أن صلاته في الكعبة كانت