بثبوت النون، ونصبها، وجزمها بحذفها؛ أي: ألم تعلمي (أَنَّ قَوْمَكِ) أي: قريشًا (حِينَ بَنَوُا الْكَعْبَةَ) لتضرّرها بالسيول، أو لاحتراقها بسبب شِرارة مِجْمَرَةِ امرأة من قريش، أجمرتها.
أخرج عبد الرزاق، ومن طريقه الحاكم، والطبرانيّ من حديث أبي الطُّفيل، قال:"كانت الكعبة في الجاهليّة مبنية بالرَّضْم، ليس فيها مَدَر، وكانت قدر ما يقتحمها الْعَنَاق، وكانت ثيابها توضع عليها تُسْدَل سَدْلًا، وكانت ذات ركنين، كهيئة هذه الحلقة (١) فأقبلت سفينة من الروم، حتى إذا كانوا قريبًا من جُدّة انكسرت، فخرجت قريش لتأخذ خشبها، فوجدوا الروميّ الذي فيها نجّارًا، فقَدِمُوا به، وبالخشب ليبنوا به البيت، فكانوا كلما أرادوا القرب منه لهدمه بدت لهم حيّة فاتحة فاها، فبعث الله طيرًا أعظم من النسر، فغرز مخالبه فيها، فألقاها نحو أجياد، فهدمت قريش الكعبة، وبنوها بحجارة الوادي، فرفعوا في السماء عشرين ذراعًا، فبينما النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يحمل الحجارة من أجياد، وعليه نَمِرة، فضاقت عليه النمرة، فذهب يضعها على عاتقه، فبدت عورته من صغرها، فنودي: يا محمد خمّر عورتك، فلم يُرَ عريانًا بعد ذلك، وكان بين ذلك، وبين المبعث خمس سنين"، قال معمر: وأما الزهريّ، فقال:"لما بلغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الحلم أجمرت امرأة الكعبة، فطارت شرارة من مجمرها في ثياب الكعبة، فاحترقت، فتشاورت قريش في هدمها، وهابوه، فقال الوليد: إن الله لا يُهلك من يريد الإصلاح، فارتقى على ظاهر البيت، ومعه العباس، فقال: اللَّهم لا نريد إلا الإصلاح، ثم هدم، فلما رأوه سالمًا تابعوه"، قال عبد الرزاق: وأخبرنا ابن جريج، قال: قال مجاهد: "كان ذلك قبل المبعث بخمس عشرة سنة"، وكذا رواه ابن عبد البرّ من طريق محمد بن جبير بن مطعم بإسناد له، وبه جزم موسى بن عقبة في "مغازيه"، والأول أشهر، وبه جزم ابن إسحاق.
ويمكن الجمع بينهما بأن يكون الحريق تقدّم وقته على الشروع في البناء.
وذكر ابن إسحاق: "أن السيل كان يأتي، فيصيب الكعبة، فيتساقط من
(١) إشارة إلى حلقة مدوّرة رُسمت في نسخة. "الفتح" ٤/ ٤٨٦.