للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فارس: السُّترةُ: ما استترت به كائنًا ما كان، والسِّتارة بالكسر مثله، والسِّتار بحذف الهاء لغةٌ، قاله الفيّوميّ -رحمه الله- (١). (حَتَّى ارْتَفَعَ بِنَاؤُهُ) قال القرطبيّ -رحمه الله-: إنما فَعَل ذلك ابن الزبير؛ لاستقبال المستقبلين، وطواف الطائفين، ولأنّ ابن عبّاس -رضي الله عنهما- قال: إن كنت هادمها فلا تدع الناسَ لا قبلة لهم، وهذا يدلّ على أن بقعة البيت ما كانت تتنزّل عندهما منزلة البيت، وقد خالفهما في ذلك جابر -رضي الله عنه-، وقال: صلُّوا إلى موضعها. انتهى (٢).

وقال النوويّ -رحمه الله-: المقصود بهذه الأعمدة والستور أن يستقبلها المصلّون في تلك الأيام، ويَعْرِفوا موضع الكعبة، ولم تزل تلك الستور حتى ارتفع البناء، وصار مشاهدًا للناس، فأزالها؛ لحصول المقصود بالبناء المرتفع من الكعبة، واستدلّ القاضي عياض بهذا لمذهب مالك في أن المقصود بالاستقبال البناء لا البقعة، قال: وقد كان ابن عباس أشار على ابن الزبير بنحو هذا، وقال له: إن كنت هادمها فلا تدع الناس بلا قبلة، فقال له جابر: صَلُّوا إلى موضعها، فهي القبلة، ومذهب الشافعي وغيره جواز الصلاة إلى أرض الكعبة، ويجزيه ذلك بلا خلاف عنده، سواء كان بقي منها شاخص أم لا، والله أعلم. انتهى (٣).

(وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ) -رضي الله عنهما- (إِنِّي سَمِعْتُ عَائِشَةَ) -رضي الله عنها- (تَقُولُ: إِنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ) قال الأبيّ -رحمه الله-: كان المناسب أن يكون هذا حين الاستشارة، وحين قال ابن عبّاس، ولكن العطف بالواو، والأظهر أن ابن عبّاس لا يخفى عليه ذلك، ولكن رأى أنه فرقٌ بين بناء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إياها، وبناء غيره، وأنه لو بناها -صلى الله عليه وسلم- لكان بناؤه أوقع في النفوس من بناءٍ أسلم الناس عليه، ورأى ابن الزبير عكس العلّة، وهو قوله: "فأنا اليوم أجد ما أنفق، ولست أخاف الناس"، ولكن يردّ عليه، أعني على قوله: "أجد ما أنفق، ولا أخاف الناس" ما ذكر ابن عبّاس، وما ذكر مالك للرشيد. انتهى (٤).

("لَوْلَا أَنَّ النَّاسَ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ) بالرفع على الفاعليّة لـ"حديث"؛ لأنه


(١) "المصباح المنير" ١/ ٢٦٦.
(٢) "المفهم" ٣/ ٤٣٧.
(٣) "شرح النوويّ" ٩/ ٩٣ - ٩٤.
(٤) "شرح الأبيّ" ٣/ ٤٢٨.