للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال في "الفتح": قوله: "ستة أذرع أو نحوها" قد ورد ذلك مرفوعًا إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كما تقدم في الطريق الثانية، وأنها أرجح الروايات، وأن الجمع بين المختلف منها ممكن، كما تقدم، وهو أولى من دعوى الاضطراب، والطعن في الروايات المقيّدة؛ لأجل الاضطراب، كما جنح إليه ابن الصلاح، وتبعه النوويّ؛ لأن شرط الاضطراب أن تتساوى الوجوه بحيث يتعذر الترجيح، أو الجمع، ولم يتعذر ذلك هنا، فيتعيّن حمل المطلق على المقيّد، كما هي قاعدة مذهبهما، ويؤيده أن الأحاديث المطلقة والمقيّدة متواردة على سبب واحد، وهو أن قريشًا قَصّروا عن بناء إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- وأن ابن الزبير أعاده على بناء إبراهيم، وأن الحَجاج أعاده على بناء قريش، ولم تأت رواية قط صريحة أن جميع الحِجر من بناء إبراهيم في البيت. انتهى (١).

(فَبَنَى عَلَيْهِ الْبِنَاءَ، وَكَانَ طُولُ الْكَعْبَةِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ ذِرَاعًا) وروي أن طولها كان عشرين ذراعًا، ولعل راويه جبر الكسر، وجزم الأزرقيّ بأن الزيادة تسعة أذرع، فلعلّ عطاء جبر الكسر أيضًا، قاله في "الفتح" (٢).

وذكر السهيليّ أن طول الكعبة كان من عهد إسماعيل تسعة أذرع، فلما بَنَتْها قريش قبل الإسلام بخمس سنين زادوا في طولها تسعة أذرع، فلما بناها ابن الزبير زاد في طولها تسعة أذرع أيضًا، فكانت سبعة وعشرين، وعلى ذلك هي الآن، ذكره الأبيّ (٣).

(فَلَمَّا زَادَ فِيهِ اسْتَقْصَرَهُ) أي: عدّه قصيرًا (فَزَادَ فِي طُولِهِ عَشْرَ أَذْرُعٍ، وَجَعَلَ لَهُ بَابَيْنِ: أَحَدُهُمَا يُدْخَلُ مِنْهُ، وَالْآخَرُ يُخْرَجُ مِنْهُ) وفي رواية للبخاريّ عن الأسود بن يزيد: "ففعله عبد الله بن الزبير"، وفي رواية إسماعيل بن جعفر عند الإسماعيليّ: "فنقضه عبد الله بن الزبير، فجعل له بابين في الأرض"، ونحوه للترمذيّ من طريق شعبة، عن أبي إسحاق، وللفاكهي من طريق أبي أويس، عن موسى بن ميسرة: "أنه دخل الكعبة بعدما بناها ابن الزبير، فكان الناس لا يزدحمون فيها، يدخلون من باب، ويخرجون من آخر".


(١) "الفتح" ٤/ ٤٩٥.
(٢) "الفتح" ٤/ ٤٩٥.
(٣) "شرح الأبيّ" ٣/ ٤٢٨.