للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الماء لطهارته، أو لغسل النجاسة، فَعل الممكن، وإذا وجبت إزالة منكرات، أو فطرة جماعة من تلزمه نفقتهم، أو نحو ذلك، وأمكنه البعض فعل الممكن، وإذا وجد ما يستر بعض عورته، أو حَفِظَ بعض الفاتحة أتى بالممكن، وأشباه هذا غير منحصرة، وهي مشهورة في كتب الفقه، والمقصود التنبيه على أصل ذلك. انتهى كلام النوويّ -رحمه الله- (١).

وقال غيره: فيه أنّ من عجز عن بعض الأمور لا يسقط عنه المقدور، وعبّر عنه بعض الفقهاء بأنّ الميسور لا يسقط بالمعسور، كما لا يسقط ما قدر عليه من أركان الصلاة بالعجز عن غيره، وتصحّ توبة الأعمى عن النظر المحرّم، والمجبوب عن الزنا؛ لأن الأعمى، والمجبوب قادران على الندم، فلا يسقط عنهما بعجزهما عن العزم على عدم العود؛ إذ لا يُتصوّر منهما العود عادة، فلا معنى للعزم على عدمه. انتهى (٢).

وقال النوويّ -رحمه الله-: وهذا الحديث موافق لقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: ١٦]. وأما قوله تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: ١٠٢] ففيها مذهبان: أحدهما: أنها منسوخة بقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}. والثاني: -وهو الصحيح، أو الصواب-، وبه جزم المحققون أنها ليس منسوخةً، بل قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} مفسّرة لها، ومبيّنة للمراد بها. قالوا: وحقّ تقاته، هو امتثال أمره، واجتناب نهيه، ولم يأمر الله سبحانه وتعالى إلا بالمستطاع، قال الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦]، وقال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحجّ: ٧٨]، والله تعالى أعلم. انتهى (٣).

وقال في "الفتح": وزعم بعضهم أن قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} نَسَخَ قولَهُ تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}، والصحيح أن لا نسخ، بل المراد بـ {حَقَّ تُقَاتِهِ} امتثال أمره، واجتناب نهيه مع القدرة، لا مع العجز. انتهى (٤).


(١) "شرح النوويّ" ٩/ ١٠٦.
(٢) "الفتح" ١٥/ ١٩٠.
(٣) "شرح النوويّ" ٩/ ١٠٦.
(٤) "الفتح" ١٥/ ١٩١.