للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ) أي: من المحرّمات (فَدَعُوهُ") أي: اتركوه كلّه، وفي رواية: "فاجتنبوه".

قال القرطبيّ -رحمه الله-: يعني أن النهي على نقيض الأمر، وذلك أنه لا يكون مُمْتَثَلًا بمقتضى النهي حتى لا يفعل واحدًا من آحاد ما يتناوله النهي، ومن فعل واحدًا فقد خالف، وعصى، فليس في النهي إلا ترك ما نُهي عنه مطلقًا دائمًا، وحينئذ يكون ممتثلًا لترك ما أمر بتركه، بخلاف الأمر على ما تقدّم.

وهذا الأصل إذا فُهِم هو ومسألة مطلق الأمر؛ هل يُحمَل على الفور، أو التراخي، أو على المرّة الواحدة، أو على التكرار؟ وفي هذا الحديث أبوابٌ من الفقه لا تخفى. انتهى كلام القرطبيّ -رحمه الله- (١).

وقال النوويّ -رحمه الله-: وأما قوله: "وإذا نهيتكم عن شيء فدَعُوه" فهو على إطلاقه، فإن وُجد عذرٌ يبيحه؛ كأكل الميتة عند الضرورة، وشرب الخمر عند الإكراه، أو التلفّظ بكلمة الكفر إذا أُكره، ونحو ذلك، فهذا ليس منهيًّا عنه في هذا الحال. انتهى كلام النوويّ -رحمه الله- (٢).

وقال في "الفتح": ثم إن هذا النهي عامّ في جميع المناهي، ويُستثنى من ذلك ما يُكره المكلّف على فعله؛ كشرب الخمر، وهذا على رأي الجمهور.

وخالف قوم، فتمسّكوا بالعموم، فقالوا: الإكراه على ارتكاب المعصية لا يُبيحها، والصحيح عدم المؤاخذة إذا وُجد صورة الإكراه المعتبرة، واستثنى بعض الشافعيّة من ذلك الزنا، فقال: لا يُتصوّر الإكراه عليه، وكأنه أراد التمادي فيه، وإلا فلا مانع أن يَنْعَظَ (٣) الرجل بغير سبب، فيكره على الإيلاج حينئذ، فيولج في الأجنبيّة، فإن مثل ذلك ليس بمحال، ولو فعله مختارًا لكان زانيًا، فتصوّر الإكراه على الزنا.

وقال في موضع آخر: وقال ابن فرج في "شرح الأربعين": قوله: "فاجتنبوه" هو على إطلاقه حتى يوجد ما يُبيحه، كأكل الميتة عند الضرورة،


(١) "المفهم" ٣/ ٤٤٨.
(٢) "شرح النوويّ" ٩/ ١٠٦.
(٣) يقال: نَعَظَ ذكره نَعْظًا، ويُحرّك، ونُعُوظًا: قام. انتهى. "القاموس".