وقال بعض أصحابنا: يلزمها بوجود نسوة، أو امرأة واحدة، وقد يكثر الأمن، ولا تحتاج إلى أحد، بل تسير وحدها في جملة القافلة، وتكون آمنةً، والمشهور من نصوص الشافعيّ، وجماهير أصحابه هو الأول.
واختَلَف أصحابنا في خروجها لحج التطوع، وسفر الزيارة، والتجارة، ونحو ذلك من الأسفار التي ليست واجبة، فقال بعضهم: يجوز لها الخروج فيها مع نسوة ثقات كحجة الإسلام، وقال الجمهور: لا يجوز إلا مع زوج أو محرم، وهذا هو الصحيح؛ للأحاديث الصحيحة. انتهى (١).
قال ابن رشد -رحمه الله-: اختلفوا هل من شروط وجوب الحج على المرأة أن يكون معها زوج أو محرم منها؟ فقال مالك والشافعي: ليس من شرط الوجوب ذلك، وتخرج المرأة إلى الحج إذا وجدت رفقة مأمونة.
وقال أبو حنيفة وأحمد وجماعة: وجود ذي المحرم ومطاوعته لها شرط في الوجوب، وسبب الخلاف معارضة الأمر بالحج للنهي عن سفر المرأة إلا مع ذي محرم، فمن غَلَّب عموم الأمر قال: تسافر للحج وإن لم يكن معها ذو محرم، ومن خصص العموم بأحاديث النهي، ورأى أنه من باب تفسير الاستطاعة قال: لا تسافر إلا مع ذي محرم. انتهى.
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-: هذه المسألة تتعلق بالنصين إذا تعارضا، وكان كل واحد منهما عامًّا من وجه خاصًّا من وجه، بيانه أن قوله تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} الآية [آل عمران: ٩١] الآية عامّ في الرجال والنساء، فمقتضاه أن الاستطاعة على السفر إذا وجدت وجب الحج على الجميع، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم" خاصّ بالنساء، عامّ في كل سفر، فيدخل فيه الحج، فمن أخرجه عنه خصّ الحديث بعموم الآية، ومن أدخله فيه خصّ الآية بعموم الحديث، فيحتاج إلى الترجيح من خارج. انتهى.
قال الشوكانيّ -رحمه الله-: ويمكن أن يقال: إن أحاديث النهي عن السفر من
غير محرم لا تعارض الآية؛ لأنها تضمنت أن المَحْرَم في حقّ المرأة من جملة
الاستطاعة على السفر التي أطلقها القرآن، وليس فيها إثبات أمر غير الاستطاعة