وفي رواية البخاريّ:"فقال: اخرُج معها"، قال في "الفتح": قوله: "اخرج معها" أخذ بظاهره بعض أهل العلم، فأوجب على الزوج السفر مع امرأته إذا لم يكن لها غيره، وبه قال أحمد، وهو وجهٌ للشافعية، والمشهور أنه لا يلزمه؛ كالوليّ في الحج عن المريض، فلو امتَنَع إلا بأجرة لزمها؛ لأنه من سبيلها، فصار في حقها كالمؤنة.
قال الجامع عفا الله عنه: لا يخفى أن ما ذهب إليه الإمام أحمد، ومن قال بقوله، من وجوب سفر الزوج مع امرأته إذا لم يوجد لها محرم غيره هو الأرجح؛ لظاهر أمره -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث، فتأمله بالإنصاف، والله تعالى أعلم.
قال: واستُدِلّ به على أنه ليس للزوج منع امرأته من حج الفرض، وبه قال أحمد، وهو وجه للشافعية، والأصح عندهم أن له منعها؛ لكون الحج على التراخي.
قال الجامع عفا الله عنه: لا يخفى أن ما قاله الإمام أحمد -رَحِمَهُ اللهُ- من أنه ليس له أن يمنعها عن فرض الحج، هو الأظهر، فتأمل، والله تعالى أعلم.
قال: وأما ما رواه الدارقطنيّ من طريق إبراهيم الصائغ، عن نافع، عن ابن عمر، مرفوعًا في امرأة لها زوج، ولها مالٌ، ولا يأذن لها في الحج، فليس لها أن تنطلق إلا بإذن زوجها.
فأجيب عنه بأنه محمول على حجّ التطوع عملًا بالحديثين.
ونقل ابن المنذر الإجماع على أن للرجل مَنْع زوجته من الخروج في الأسفار كلها، وإنما اختلفوا فيما كان واجبًا.
واستَنْبَطَ منه ابن حزم جواز سفر المرأة بغير زوج، ولا محرم؛ لكونه -صلى الله عليه وسلم- لم يأمر بردّها، ولا عاب سفرها.
وتُعُقّب بأنه لو لم يكن ذلك شرطًا لَمَا أمر زوجها بالسفر معها، وتركه الغزو الذي كُتب فيه، ولا سيّما وقد رواه سعيد بن منصور، عن حماد بن زيد، بلفظ:"فقال رجل: يا رسول الله! إني نذرت أن أخرج في جيش كذا وكذا"، فلو لم يكن شرطًا ما رخّص له في ترك النذر. انتهى (١)، والله تعالى أعلم