واستبعد الطبري ذلك من حيث إن بلوغهم الخبر إنما كان عندما وقع النداء به في ذي الحجة، فكيف يقال لهم: سيحوا أربعة أشهر، ولم يبق منها إلا دون الشهرين؟ ثم أسند عن السُّدّيّ وغير واحد التصريح بأن تمام الأربعة الأشهر في ربيع الآخر (١).
وقوله:"أن يؤذّن ببراءة" يجوز فيه التنوين بالرفع على الحكاية، وبالجر، ويجوز أن يكون علامة الجر فتحة، وهو الثابت في الروايات.
وقوله:"فأذّن معنا عليٌّ في أهل منى يوم النحر إلخ" قال الكرمانيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: فيه إشكالٌ؛ لأن عليًّا كان مأمورًا بأن يؤذن بـ "براءة"، فكيف يؤذن بـ "أن لا يحج بعد العام مشرك"؟
ثم أجاب بأنه أَذَّن ببراءة، ومن جملة ما اشتَمَلت عليه "أن لا يحج بعد العام مشرك"، من قوله تعالى فيها:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا}[التوبة: ٢٨].
ويَحْتَمِل أن يكون أُمِر أن يؤذّن بـ "براءة"، وبما أُمر أبو بكر أن يؤذن به أيضًا.
قال الحافظ -رَحِمَهُ اللهُ-: وفي قوله: "يؤذن ببراءة" تَجَوُّزٌ؛ لأنه أُمر أن يؤذن ببضع وثلاثين آية، منتهاها عند قوله تعالى:{وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}[الصف: ٩]، فروى الطبريّ من طريق أبي معشر، عن محمد بن كعب وغيره، قال: بَعَثَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر أميرًا على الحج سنة تسع، وبعث عليًّا بثلاثين، أو أربعين آية من "براءة".
ورَوَى الطبري من طريق أبي الصَّهْباء، قال: سألت عليًّا عن يوم الحج الأكبر، فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث أبا بكر يقيم للناس الحج، وبعثني بعده بأربعين آية من "براءة" حتى أَتَى عرفة، فخَطَب، ثم التفت إليّ، فقال: يا عليّ قم، فأدِّ رسالة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقمت، فقرأت أربعين آية من أول براءة، ثم صدرنا حتى رَمَيت الجمرة، فطفقت أتتبع بها الفساطيط، أقرؤها عليهم؛ لأن الجميع لم يكونوا حضروا خطبة أبي بكر يوم عرفة.