وأما ما وقع في حديث جابر، فيما أخرجه الطبريّ، وإسحاق في "مسنده"، والنسائيّ، والدارميّ كلاهما عنه، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، من طريق ابن جريج، حدّثني عبد الله بن عثمان بن خُثيم، عن أبي الزبير، عن جابر -رضي الله عنه-؛ أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- حين رجع من عمرة الجعرانة بَعَث أبا بكر على الحجّ، فأقبلنا معه، حتى إذا كنا بالْعَرْج ثُوِّب بالصبح، فسمع رَغْوة ناقة النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فإذا عليّ عليها، فقال له: أميرٌ، أو رسولٌ؟ فقال: بل أرسلني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بـ "براءة"، أقرؤها على الناس، فقدمنا مكة، فلما كان قبل يوم التروية بيوم، قام أبو بكر، فخطب الناس بمناسكهم، حتى إذا فرغ قام عليّ، فقرأ على الناس "براءة"، حتى ختمها، ثم كان يوم النحر كذلك، ثم يوم النفر كذلك.
فيُجْمَع بأن عليًّا قرأها كلها في المواطن الثلاثة، وأما في سائر الأوقات فكان يُؤَذِّن بالأمور المذكورة "أن لا يحج بعد العام مشرك إلخ"، وكان يستعين بأبي هريرة وغيره في الأذان بذلك.
وقد وقع في حديث مِقْسَم عن ابن عباس، عند الترمذيّ أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بَعَث أبا بكر … الحديث، وفيه: فقام عليّ أيام التشريق، فنادى:"ذمة الله، وذمة رسوله بريئة من كل مشرك، فسيحوا في الأرض أربعة أشهر، ولا يحجنّ بعد العام مشرك، ولا يطوفنّ بالبيت عُريان، ولا يدخل الجنة إلا مؤمن"، فكان عليّ ينادي بها، فإذا بَحّ (١) قام أبو هريرة فنادى بها.
وأخرج أحمد بسند حسن، عن أنس -رضي الله عنه- أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بَعَث بـ "براءة" مع أبي بكر، فلما بلغ ذا الحليفة قال:"لا يبلّغها إلا أنا، أو رجل من أهل بيتي"، فبعث بها مع عليّ، قال الترمذيّ: حسن غريب.
ووقع في حديث عليّ -رضي الله عنه- عند أحمد: لَمّا نزلت عشر آيات من"براءة" بعث بها النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مع أبي بكر؛ ليقرأها على أهل مكة، ثم دعاني، فقال:"أدرك أبا بكر، فحيثما لقيته، فخذ منه الكتاب"، فرجع أبو بكر، فقال:
(١) من باب تعِب: أخذته بُحّة، وهي خشونة، وغلظة في الصوت.