للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

دينه، فينحاز إلى حزب الحقّ وأنصار دعوته، ويفارق فريق الباطل، فلا يُكثِّر سوادهم إلى غير ذلك من المعاني الموجبة لكمال الدين، فلما فتح - صلى الله عليه وسلم - مكة، وأظهره الله على الدين كلّه، أعلمهم بأن الهجرة المفروضة قد انقطعت، وأن المسابقة بالهجرة بعد الفتح قد انتهت، وأنه ليس لأحد بعد ذلك أن ينال فضيلة الهجرة إليه، ولا أن ينازع المهاجرين في مراتبهم، وحقوقهم. انتهى (١).

(وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ) أي: لكن لكم طريقٌ إلى تحصّل الفضائل التي في معنى الهجرة، وذلك بالجهاد، ونيّة الخير في كل شيء، من لقاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحوه، وارتفاع "جهادٌ" على الابتداء، وخبره محذوف مقدّمًا، تقديره: لكم جهادٌ، قاله في "العمدة" (٢).

قال في "الفتح": المعنى أن وجوب الهجرة من مكة انقطع بفتحها؛ إذ صارت دار إسلام، ولكن بقي وجوب الجهاد على حاله عند الاحتياج إليه، وفسّره بقوله: "فإذا استُنفرتم فانفروا"؛ أي: إذا دُعيتم إلى الغزو فأجيبوا.

قال الخطابي وغيره: كانت الهجرة فرضًا في أول الإسلام على من أسلم؛ لقلة المسلمين بالمدينة، وحاجتهم إلى الاجتماع، فلما فتح الله مكة دخل الناس في دين الله أفواجًا، فسقط فرض الهجرة إلى المدينة، وبقي فرض الجهاد، والنية على من قام به، أو نزل به عدوّ. انتهى.

قال الحافظ: وكانت الحكمة أيضًا في وجوب الهجرة على من أسلم؛ ليَسلم من أذى ذويه من الكفار، فإنهم كانوا يعذِّبون من أسلم منهم إلى أن يرجع عن دينه، وفيهم نزلت: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} الآية [النساء: ٩٧]، وهذه الهجرة باقية الحكم في حق من أسلم في دار كفر، وقَدَر على الخروج منها.

وقد رَوَى النسائي من طريق بهز بن حكيم بن معاوية، عن أبيه، عن جدّه مرفوعًا: "لا يقبل الله من مشرك عملًا بعدما أسلم، أو يفارقَ المشركين".


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٦/ ٢٠٤٠.
(٢) "عمدة القاري" ١٠/ ١٩١.