للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ولأبي داود من حديث سمرة مرفوعًا: "أنا بريء من كل مشرك يقيم بين أظهر المشركين". وهذا محمول على من لم يأمن على دينه.

قال: وقوله: "ولكن جهادٌ ونية" قال الطيبيّ وغيره: وهذا الاستدراك يقتضي مخالفة حكم ما بعده لما قبله، والمعنى أن الهجرة التي هي مفارقة الوطن التي كانت مطلوبة على الأعيان إلى المدينة انقطعت، إلا أن المفارقة بسبب الجهاد باقية، وكذلك المفارقة بسبب نيّة صالحة كالفرار من دار الكفر، والخروج في طلب العلم، والفرار بالدين من الفتن، والنية في جميع ذلك.

وقال الطيبيّ -رحمه الله-: "ولكن جهادٌ" عطف على محل مدخول: "لا"، والمعنى: أن الهجرة من الأوطان، إما هجرة إلى المدينة للفرار من الكفار، ونصرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وإما إلى الجهاد في سبيل الله، وإما إلى غير ذلك من تحصيل الفضائل؛ كطلب العلم، وابتغاء فضل الله تعالى من التجارة، وما شاكلهما، فانقطعت الأولى، وبقيت الأخريان، فاغتنموهما، ولا تقاعدوا عنهما، فإذا استُنفرتم فانفروا. انتهى (١).

وقال ابن الأثير -رحمه الله-: الجهاد: محاربة الكفّار، وهو المبالغة، واستفراغ ما في الوسع والطاقة من قول، أو فعل، يقال: جَهَدَ الرجلُ في الشيء: إذا جدّ فيه، وبالغ، وجاهد في الحرب مجاهدةً وجهادًا.

قال: والمراد بالنيّة: إخلاص العمل لله تعالى؛ أي: إنه لم يبق بعد فتح مكة هجرة؛ لأنها صارت دار إسلام، وإنما هو الإخلاص في الجهاد، وقتال الكفّار. انتهى (٢).

(وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ) بصيغة المجهول؛ أي: إذا طُلبتم للنَّفْر، وهو الخروج إلى الجهاد (فَانْفِرُوا") بكسر الفاء أي: اخرجوا، والمعنى: إذا دعاكم السلطان إلى غزو فاذهبوا.

وقال في "النهاية": الاستنفار: الاستنجاد، والاستنصار؛ أي: إذا طُلب


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٦/ ٢٠٤١.
(٢) "النهاية في غريب الحديث والأثر" ١/ ٣١٩.