للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وحديث أنس - رضي الله عنه - عند البخاريّ: "إن إبراهيم حرم مكة"، فكيف التوفيق بينهما؟

[أجيب]: بأن إسناد التحريم إلى إبراهيم -عليه السلام- من حيث إنه مبلّغه، فإن الحاكم بالشرائع والأحكام كلها هو الله تعالى، والأنبياء يبلّغونها، فكما تضاف إلى الله تعالى من حيث إنه الحاكم بها، تضاف إلى الرسل أيضًا؛ لأنها تُسمع منهم، وتُبيّن على ألسنتهم.

والحاصل أنه -عليه السلام- أظهر تحريمه مُبَلِّغًا عن الله تعالى بعد أن كان مهجورًا، لا أنه ابتدأ تحريمه.

وقيل: إنه حرّمها بإذن الله، يعني أنه تعالى كتب في اللوح المحفوظ يوم خلق السماوات والأرض أن إبراهيم سيحرِّم مكة بأمر الله تعالى، كذا في "إرشاد الساري"، وهذا القول ليس بشيء، فتنبّه.

وقال في "العمدة": معنى قوله: "إن إبراهيم حرّم مكة": أعلن بتحريمها، وعَرَّف الناس بأنها حرام بتحريم الله إياها، فلما لم يُعْرَف تحريمها إلا في زمانه على لسانه أضيف إليه، وذلك كما في قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ} الآية [الزمر: ٤٣]، فإنه أضاف إليه التوفي، وفي آية أخرى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ} الآية [السجدة: ١١]، فأضاف إلى الملك التوفي، وقال في آية أخرى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ} [النحل: ٢٨، ٣٢] فأضاف إليهم التوفي، وفي الحقيقة المتوفِّي هو الله -عز وجل-، وأضاف إلى غيره؛ لأنه ظهر على أيديهم. انتهى.

وقال في "الفتح": لا معارضة بين الحديثين؛ لأن معنى قوله: "إن إبراهيم حرم مكة" أي: بأمر الله تعالى، لا باجتهاده، أو أن الله قضى يوم خلق السماوات والأرض أن إبراهيم سيحرِّم مكة، أو المعنى أن إبراهيم أول من أظهر تحريمًا بين الناس، وكانت قبل ذلك عند الله حرامًا، أو أول من أظهره بعد الطوفان، وقال القرطبيّ: معناه: إن الله حرم مكة ابتداء من غير سبب يُنسب لأحد، ولا لأحد فيه مدخل، قال: ولأجل هذا أكد المعنى بقوله في حديث أبي شُرَيح الآتي: "ولم يُحَرِّمها الناس"، والمراد بقوله: "ولم يحرمها الناس" أن تحريمها ثابت بالشرع، لا مدخل للعقل فيه، أو المراد أنها من محرمات الله، فيجب امتثال ذلك، وليس من محرمات الناس، يعني في