للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الجاهلية، كما حَرّموا أشياء من عند أنفسهم، فلا يسوغ الاجتهاد في تركه، وقيل: معناه إن حُرمتها مستمرة من أول الخلق، وليس مما اختَصَّت به شريعة النبيّ - صلى الله عليه وسلم -.

(فَهُوَ) أي: البلد (حَرَامٌ) أي محرّم محترم (بِحُرْمَةِ اللهِ) أي: بسبب حرمة الله، فالباء للسببية، ويجوز أن تكون للملابسة، فيكون متعلق الباء محذوفًا؛ أي: متلبسًا بحرمة الله، وهو تأكيد للتحريم، وقوله: (إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) إيماء إلى عدم نسخه، وقال الحافظ -رحمه الله-: قوله: "بحرمة الله" أي: بتحريمه، وقيل: الحرمة الحقّ؛ أي: حرام بالحق المانع من تحليله، واستُدِلّ به على تحريم القتل، والقتال بالحرم، وسيأتي البحث في هذا مستوفًى في المسألة الرابعة -إن شاء الله تعالى-.

(وَإِنَّهُ) الضمير للشأن؛ أي: إن الشأن والحال (لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي) زاد في بعض طرق البخاريّ: "ولا يَحِلّ لأحد بعدي"، قال المحبّ الطبريّ -رحمه الله-: هذا القول يَحْتَمِل وجوهًا، ثم ذكرها، وقال: الوجه الرابع، وهو أقواها، وأسلمها عن الاعتراض: أن يريد تحريم القتل بها، وكان مستحَقًّا، حتى لو دخل كافر بغير أمان، أو زانٍ محصَن، أو من قَتل إنسانًا عمدًا عدوانًا لم يُقتل بها، بل يُضَيَّق عليه حتى يخرج، وهذا مذهب أبي حنيفة، وإحدى الروايتين عن أحمد، وقول بعض أصحاب مالك، وكذلك القتال أيضًا لا يكون بقتل، بل بالحصر، والتضييق، والمدافعة حتى يخرجوا منها، ولا كذلك سائر البلاد، وإليه الإشارة بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإن أحد ترخص بقتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" أي: وقتله ابن خَطَل وغيره، وقد عاذوا بالحرم، فيقال لهم: "إن الله أذن لرسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يأذن لكم"، فمنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس أن يقتدوا به في هذه الرخصة، وأن يعد سببها تحقيقًا لاختصاصه - صلى الله عليه وسلم - بهذه الرخصة. انتهى.

وقال ابن بطال -رحمه الله-: المراد بقوله: "ولا تحل لأحد بعدي" الإخبار عن الحكم في ذلك، لا الإخبار بما سيقع؛ لوقوع خلاف ذلك في الشاهد، كما وقع من الحجاج وغيره. انتهى. ومحصله أنه خبر بمعنى النهي، بخلاف قوله: "لم يحل القتال فيه لأحد قبلي"، فإنه خبر محضٌ، أو معنى قوله: "ولا تحل لأحد بعدي" أي: لا يُحِلّه الله بعدي؛ لأن النسخ ينقطع بعده؛ لكونه خاتم النبيين.