للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الأرض، وقضبان دقاق ينبت في السهل والحزن، وبالمغرب صنف منه فيما قاله ابن البيطار، قال: والذي بمكة أجوده، وأهل مكة يُسَقِّفون به البيوت بين الخشب، يعني يجعلونه تحت الطين، وفوق الخشب؛ ليسد الخلل، فلا يسقط الطين، وكذا يجعلونه في القبور، يعني يسُدُّون به الخلل بين اللبنات في القبور، وكانوا يستعملونه بدلًا من الحَلفاء في الوقود، ولهذا قال العباس: "فإنه لقينهم"، ووقع عند عُمَر بن شَبّة: "فقال العباس: يا رسول الله إن أهل مكة لا صبر لهم عن الإذخر لقينهم وبيوتهم"، وهذا يدل على أن الاستثناء في حديث الباب لم يرد به أن يستثنى هو، وإنما أراد به أن يلقن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - الاستثناء.

(فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ) و"القين" بفتح القاف، وسكون التحتانيّة، بعدها نون: الحدّاد، وحاجته إليه أنه يوقد به النار، وقال الطبريّ: القين عند العرب كلّ ذي صناعة يُعالجها بنفسه. ووقع في رواية للبخاريّ في "المغازي": "فإنه لابدّ منه للقين، والبيوت"، وفي رواية له: "فإنه لصاغتنا، وقبورنا"، ووقع في مرسل مجاهد عند عمر بن شبّة الجمع بين الثلاثة، ووقع عنده أيضًا: "فقال العباس: يا رسول الله إن أهل مكة لا صبر لهم عن الإذخر، لقينهم، وبيوتهم".

(وَلِبُيُوتِهِمْ) أي: لسقفها (فَقَالَ: "إِلَّا الْإِذْخِرَ") هو استثناء بعض من كلّ؛ لدخول الإذخر في عموم ما يُختلى.

قال في "الفتح": اختلفوا هل كان قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إلا الإذخر" باجتهاد، أو وحي؟ وقيل: كَأَنَّ الله تعالى فوّض له الحكم في هذه المسألة مطلقًا، وقيل: أوحي إليه قبل ذلك أنه إن طلب أحد استثناء شيء من ذلك، فأجب سؤاله.

وقال الطبريّ: ساغ للعباس أن يستثني الإذخر؛ لأنه احْتَمَل عنده أن يكون المراد بتحريم مكة تحريم القتال، دون ما ذُكر من تحريم الاختلاء، فإنه من تحريم الرسول - صلى الله عليه وسلم - باجتهاده، فساغ له أن يسأله استثناء الإذخر، وهذا مبنيّ على أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان له اجتهاد في الأحكام، وليس ما قاله بلازم، بل في تقريره - صلى الله عليه وسلم - للعباس على ذلك دليل على جواز تخصيص العامّ.

وحَكَى ابن بطال عن المهلّب أن الاستثناء هنا للضرورة؛ كتحليل أكل الميتة عند الضرورة، وقد بيّن العباس ذلك بأن الإذخر لا غنى لأهل مكة عنه.