للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(وَلَا تَحِلُّ) بالبناء للفاعل (سَاقِطَتُهَا) أي: الشيء الذي سقط من صاحبه سهوًا (إِلَّا لِمُنْشِدٍ) يريد لا تحل البتةَ، فكأنه قيل: إلَّا لمنشد؛ أي: لا يحل له منها إلَّا إنشادها، فيكون ذلك مما اختَصَّت به مكة، كما اختَصَّت بأنها حرام، وأنه لا يُنَفَّر صيدها، وغيرهما من الأحكام.

وقال المازريّ: معناه المبالغة في التعريف؛ لأن الحاج قد لا يعود إلَّا بعد أعوام، فتدعو الضرورة لإطالة التعريف، بخلاف غيرها من البلاد، ولأن الناس ينتابون إلى مكة، ويقال: جاء الحديث ليقطع وَهْمَ من يظنّ أنه يُسْتَغْنَى عن التعريف هنا؛ إذ الغالب أن الحجيج إذا تفرقوا مُشَرِّقين ومُغَرِّبين، ومَدَّت المطايا أعناقها يقول القائل: لا حاجة إلى التعريف، فذكر - صلى الله عليه وسلم - أن التعريف فيها ثابت، كغيرها من البلاد.

ومنهم من قال: التقدير: إلَّا من سمع ناشدًا يقول: من أضل كذا، فحينئذ يجوز للملتقط أن يرفعها إذا رآها؛ ليردّها على صاحبها، وهذا مروي عن إسحاق ابن راهويه، والنضر بن شُميل.

وقيل: لا تحل إلَّا لربها الذي يطلبها، قال أبو عبيد: هو جيِّد في المعنى، لكن لا يجوز في العربية أن يقال للطالب: منشد.

قال العينيّ: قال بعضهم: الناشد المعرِّف، والمنشد الطالب، فيصح هذا التأويل على هذا التقرير.

قال القاضي عياض في "المشارق": ذكر الحريريّ اختلاف أهل اللغة في الناشد والمنشد، وأن بعضهم عكس، فقال: الناشد المعرِّف، والمنشد الطالب، واختلافهم في تفسير الحديث بالوجهين. انتهى (١).

(وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيل، فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ) لفظة "خَيْر" ههنا بمعنى أفعل التفضيل، والمعنى أفضل النظرين، وقد فسَّرَ النظرين بقوله: "إما أن يُفدى، وإما أن يُقتَل".

وقال النوويّ -رحمه الله-: معناه أن وليّ المقتول بالخيار، إن شاء قَتَل القاتل، وإن شاء أخذ فداءه، وهي الدية، وهذا تصريح بالحجة للشافعيّ وموافقيه: أن


(١) "عمدة القاري" ٢/ ١٦٦.