أحدهما: أنها منسوخة، وكان النهي في أول الأمر قبل اشتهار القرآن لكل أحد، فنُهي عن كتابة غيره؛ خوفًا من اختلاطه واشتباهه، فلما اشتَهَر، وأُمنت تلك المفسدة أُذِن فيه.
والثاني: أن النهي نهيُ تنزيه لمن وَثق بحفظه، وخيف اتكاله على الكتابة، والإذن لمن لم يوثق بحفظه. انتهى (١).
٣ - (ومنها): أن فيه دليلًا على أن الخطبة يُستحبّ أن تكون على موضع عال، منبرٍ أو غيره، في جمعة أو غيرها.
٤ - (ومنها): استَدَلَّ بقوله: "وسَلَّط عليهم رسوله - صلى الله عليه وسلم -" مَن يرى أن مكة فُتحت عَنْوَةً، وأن التسليط الذي وقع للنبي - صلى الله عليه وسلم - مقابَل بالحبس الذي وقع لأصحاب الفيل، وهو الحبس عن القتال، هذا قول الجمهور، وقال الشافعيّ: فُتِحت صلحًا، والراجح قول الجمهور، وقد سبق البحث فيه مستوفىً في المسائل التي تقدّمت في شرح حديث ابن عبّاس -رضي الله عنهما-.
٥ - (ومنها): أن فيه دليلًا على تحريم قطع الشجر في الحرم، مما لا ينبته الآدميون في العادة، وعلى تحريم خلاه، وهذا بالاتفاق، واختلفوا فيما ينبته الآدميون، قاله النووي، وقد تقدّم البحث فيه أيضًا مستوفًى.
٦ - (ومنها): أنه استَدَلّ أهل الأصول بهذا الحديث وشِبهه على أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان مُتَعَبَّدًا باجتهاده فيما لا نَصّ فيه، وهو الأصح عندهم، ومنعه بعضهم، وممن قال بالأول الشافعيّ، وأحمد، وأبو يوسف، واختاره الآمديّ، وصحح الغزالي الجواز، وتوقف في الوقوع، وقال ابن الخطيب الرازيّ: توقف أكثر المحققين في الكل، وجوّزه بعضهم في أمر الحرب، دون غيره، واستَدَلَّ من قال بوقوعه بما جاء في هذا الحديث، وفي قوله - صلى الله عليه وسلم - لمّا قيل له في فرض الحجّ: أكلّ عام يا رسول الله؟ قال:"لو قلت: نعم لوجبت. . ." الحديث، وبقوله تعالى:{وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} الآية [آل عمران: ١٥٩]، وبقوله تعالى في أسارى بدر:{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} الآية [الأنفال: ٦٧]، ولو كان حَكَم بالنصّ لَمَا عوتب.