[التاسع]: أن أفعال الرب تبارك وتعالى صادرة عن أسمائه وصفاته، وأسماء المخلوقين صادرة عن أفعالهم، فالرب تبارك وتعالى فعاله عن كماله، والمخلوق كماله عن فعاله، فاشتُقَّت له الأسماء بعد أن كَمُلَ بالفعل، فالربّ لم يزل كاملًا فحَصَلَت أفعاله عن كماله؛ لأنه كامل بذاته وصفاته، فأفعاله صادرة عن كماله، كَمُلَ فَفَعَلَ، والمخلوق فَعَلَ فَكَمُلَ الكمال اللائق به.
[العاشر]: إحصاء الأسماء الحسنى، والعلم بها أصل للعلم بكل معلوم، فإن المعلوماتِ سواه إما أن تكون خلقًا له تعالى، أو أمرًا، إما عِلْمٌ بما كَوَّنَهُ، أو عِلْمٌ بما شَرَّعَهُ، ومصدر الخلق والأمر عن أسمائه الحسنى، وهما مرتبطان بها ارتباطَ المقتضَى بمقتضيه، فالأمر كله مصدره عن أسمائه الحسنى، وهذا كله حَسَنٌ، لا يخرج عن مصالح العباد والرأفة والرحمة بهم، والإحسان إليهم، بتكميلهم بما أمرهم به ونهاهم عنه، فأمره كُلُّه مصلحة وحكمة ولطف وإحسان؛ إذ مصدره أسماؤه الحسنى، وفعله كلُّه لا يَخرج عن العدل والحكمة والمصلحة والرحمة؛ إذ مصدره أسماؤه الحسنى، فلا تفاوت في خلقه ولا عَبَثَ، ولم يَخلُق خلقه باطلًا ولا سُدًى ولا عبثًا، وكما أن كل موجود سواه فبإيجاده، فوجود مَن سواه تابع لوجوده تبع المفعول المخلوق لخالقه، فكذلك العلم بها أصل للعلم بكل ما سواه، فالعلم بأسمائه، وإحصاؤها أصل لسائر العلوم، فمن أحصى أسماءه كما ينبغي للمخلوق أحصى جميع العلوم؛ إذ إحصاء أسمائه أصل لإحصاء كل معلوم؛ لأن المعلومات هي من مقتضاها، ومرتبطة بها، وتأمل صدور الخلق والأمر عن علمه وحكمته تعالى، ولهذا لا تَجِد فيها خللًا ولا تفاوتًا؛ لأن الخلل الواقع فيما يأمر به العبد أو يفعله، إما أن يكون لجهله به، أو لعدم حكمته، وأما الرب تعالى فهو العليم الحكيم، فلا يَلْحَق فعله ولا أمره خلل ولا تفاوت ولا تناقض.
[الحادي عشر]: أن أسماءه كلها حسنى، ليس فيها اسم غير ذلك أصلًا، وقد تقدم أن من أسمائه ما يُطلَق عليه باعتبار الفعل، نحو الخالق والرازق والمحيي والمميت، وهذا يدل على أن أفعاله كلها خيرات محض، لا شَرَّ فيها؛ لأنه لو فعل الشر لاشتُقَّ له منه اسم، ولم تكن أسماؤه كلها حسنى، وهذا باطلٌ، فالشر ليس إليه، فكما لا يدخل في صفاته، ولا يَلحَق ذاته، لا