٢ - (ومنها): بيان أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - دعا لها بأن يجعل الله تعالى بها من البركة ضعف ما جعله في مكة.
٣ - (ومنها): بيان أن إبراهيم الخليل -عليه السلام- حرّم مكة؛ أي: بيّن للناس تحريم الله تعالى لها، كما سبق بيانه.
٤ - (ومنها): بيان أن إبراهيم -عليه السلام- دعا بالبركة لمكة، ففي "صحيح البخاريّ" في الحديث الطويل في قصّة إبراهيم وإسماعيل، وأمه قال:"اللهم بارك لهم في اللحم والماء"، ولم يكن لهم يومئذ حبّ، ولو كان لهم لدعا لهم فيه".
٥ - (ومنها): أن فيه حجةً ظاهرةً للشافعيّ، ومالك، وموافقيهما في تحريم صيد المدينة، وشجرها، وسيأتي تمام البحث فيه في المسألة التالية -إن شاء الله تعالى- والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم حرم المدينة:
ذهب الإمامان: مالك، والشافعيّ، ومن وافقهم إلى تحريم صيد المدينة، وشجرها؛ لظاهر أحاديث الباب.
وذهب الإمام أبو حنيفة إلى إباحة ذلك، واحتُجَّ له بحديث: "يا أبا عُمير ما فَعَلَ النُّغَير". وأجاب الأولون عن هذا بجوابين:
أحدهما: أنه يَحْتَمِل أن حديث النغير كان قبل تحريم المدينة.
والثاني: يَحْتَمِل أنه صاده من الحلّ، لا من حرم المدينة، قال النوويّ -رحمه الله-: وهذا الجواب لا يلزم على أصولهم؛ لأن مذهب الحنفية أن صيد الحلّ إذا أدخله الحلال إلى الحرم ثبت له حكم الحرم، ولكن أصلهم هذا ضعيف، فيُرَدّ عليهم بدليله.
والمشهور من مذهب مالك، والشافعيّ، والجمهور أنه لا ضمان في صيد المدينة، وشجرها، بل هو حرام بلا ضمان.
وقال ابن أبي ذئب، وابن أبي ليلى: يجب فيه الجزاء كحرم مكة، وبه قال بعض المالكية، وللشافعيّ قول قديم أنه يُسلَب القاتل؛ لحديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - الذي ذكره مسلم بعدَ هذا، قال القاضي عياض: لم يقل بهذا