[الثالث عشر]: اختَلَف النُّظَّار في الأسماء التي تُطلَق على الله، وعلى العباد، كالحي والسميع والبصير والعليم والقدير والملك ونحوها:
فقالت طائفة من المتكلمين: هي حقيقةٌ في العبد، مجاز في الربّ، وهذا قول غلاة الجهمية، وهو أخبث الأقوال، وأشدُّها فسادًا.
الثاني: مقابلها وهو أنها حقيقة في الربّ، مجازٌ في العبد، وهذا قول أبي العباس الناشئ.
الثالث: أنها حقيقة فيهما، وهذا قول أهل السنة، وهو الصواب، واختلاف الحقيقتين فيهما لا يخرجها عن كونها حقيقةً فيهما، وللرب تعالى منها ما يَليق بجلاله، وللعبد منها ما يَليق به.
وليس هذا موضع التعرض لمأخذ هذه الأقوال وإبطال باطلها، وتصحيح صحيحها، فإن الغرض الإشارة إلى أمور ينبغي معرفتها في هذا الباب، ولو كان المقصود بسطها لاستدعت سِفْرين أو أكثر.
[الرابع عشر]: أن الاسم والصفة من هذا النوع له ثلاثة اعتبارات:
اعتبارٌ من حيث هو، مع قطع النظر عن تقييده بالربّ تبارك وتعالى، أو العبد، اعتباره مضافًا إلى الرب مختصًّا به، اعتباره مضافًا إلى العبد مقيدًا به، فما لزم الاسم لذاته وحقيقته كان ثابتًا للربّ والعبد، وللرب منه ما يَليق بكماله، وللعبد منه ما يَليق به.
وهذا كاسم السميع الذي يلزمه إدراك المسموعات، والبصير الذي يلزمه رؤية المبصرات، والعليم والقدير وسائر الأسماء، فإن شرط صحة إطلاقها حصول معانيها وحقائقها للموصوف بها، فما لَزِمَ هذه الأسماء لذاتها، فإثباته للرب تعالى لا محذور فيه بوجه، بل ثبتت له على وجه لا يماثله فيه خلقه، ولا يشابههم، فمن نفاه عنه لإطلاقه على المخلوق ألحد في أسمائه، وجَحَد صفات كماله، ومن أثبته له على وجه يماثل فيه خلقه، فقد شبّهه بخلقه، ومن شبّه الله بخلقه فقد كَفَر، ومن أثبته له على وجه لا يماثل فيه خلقه، بل كما يليق بجلاله وعظمته، فقد برئ من فَرْث التشبيه، ودم التعطيل، وهذا طريق أهل السنة.
وما لزم الصفة لإضافتها إلى العبد وجب نفيه عن الله، كما يلزم حياة