العبد من النوم والسِّنَةِ والحاجة إلى الغذاء، ونحو ذلك، وكذلك ما يلزم إرادته من حركة نفسه في جلب ما ينتفع به، ودفع ما يتضرر به، وكذلك ما يلزم علوَّه من احتياجه إلى ما هو عال عليه، وكونه محمولًا به مفتقرًا إليه محاطًا به، كلُّ هذا يجب نفيه عن القدوس السلام تبارك وتعالى.
وما لزم صفة من جهة اختصاصه تعالى بها، فإنه لا يثبت للمخلوق بوجه، كعلمه الذي يلزمه القدم والوجوب والإحاطة بكل معلوم، وقدرته وإرادته وسائر صفاته، فإن ما يختص به منها لا يمكن إثباته للمخلوق.
فإذا أحطت بهذه القاعدة خبرًا، وعقلتها كما ينبغي، خَلَصتَ من الآفتين اللتين هما أصل بلاء المتكلمين: آفة التعطيل، وآفة التشبيه، فإنك إذا وَفَّيت هذا المقام حقَّه من التصور، أثبَتَّ لله الأسماء الحسنى والصفات العلى حقيقة، فخَلَصت من التعطيل، ونَفَيت عنها خصائص المخلوقين ومشابهتهم، فخلصت من التشبيه، فتدبر هذا الموضع، واجعله جنتك التي ترجع إليها في هذا الباب، والله الموفق للصواب.
[الخامس عشر]: أن الصفة متى قامت بموصوف لزمها أمور أربعة: أمران لفظيان، وأمران معنويان.
فاللفظيان: ثبوتيّ، وسلبيّ، فالثبوتيّ أن يُشْتَقَّ للموصوف منها اسم، والسلبيّ أن يمتنع الإشتقاق لغيره.
والمعنويان: ثبوتيّ، وسلبيّ، فالثبوتيّ أن يعود حكمها إلى الموصوف، ويُخبَر بها عنه، والسلبيّ أن لا يعود حكمها إلى غيره، ولا يكون خبرًا عنه، وهي قاعدة عظيمة في معرفة الأسماء والصفات.
فلنذكر من ذلك مثالًا واحدًا: وهو صفة الكلام، فإنه إذا قامت بمحلّ، كانت هو التكلم، دون من لم تقم به، وأخبر عنه بها، وعاد حكمها إليه دون غيره، فيقال: قال، وأمر، ونهى، ونادى، وناجى، وأخبر، وخاطب، وتكلم، وكلَّم، ونحو ذلك، وامتنعت هذه الأحكام لغيره، فيُستَدَلُّ بهذه الأحكام والأسماء على قيام الصفة به، وسلبها عن غيره على عدم قيامها به، وهذا هو أصل السنة الذي رَدُّوا به على المعتزلة والجهمية، وهو من أصحّ الأصول طردًا وعكسًا.