وهذا مما خَفِي على كثير ممن تعاطى الكلام في تفسير الأسماء الحسنى، ففَسَّر الاسم بدون معناه، ونقصه من حيث لا يَعلَم، فمن لم يُحط بهذا علمًا بَخَس الاسم الأعظم حقه، وهَضمه معناه، فتدبره.
[العشرون]: وهي الجامعة لما تقدم من الوجوه، وهي معرفة الإلحاد في أسمائه حتى لا يقع فيه، قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٨٠)} [الأعراف: ١٨٠].
والإلحاد في أسمائه هو العدول بها وبحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت
لها، وهو مأخوذ من الميل، كما يدلّ عليه مادته (ل ح د) فمنه اللَّحْدُ، وهو الشَّقُّ في جانب القبر الذي قد مال عن الوسط، ومنه الْمُلْحِد في الدين المائل عن الحق إلى الباطل، قال ابن السِّكِّيت: الْمُلْحِدُ: المائل عن الحق، المدخل فيه ما ليس منه، ومنه الْمُلْتَحَدُ، وهو مُفْتَعَلٌ من ذلك، وقوله تعالى:{وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا}[الكهف: ٢٧]، أي مَن تَعْدِل إليه، وتهرُب إليه، وتلتجئ إليه، وتبتهل فتميل إليه عن غيره، تقول العرب: التحد فلان إلى فلان: إذا عَدَل إليه.
إذا عُرِف هذا فالإلحاد في أسمائه تعالى أنواع:
[أحدها]: أن يُسَمِّي الأصنام بها، كتسميتهم اللات من الإلهية، والعزى من العزيز، وتسميتهم الصنم إلهًا، وهذا إلحاد حقيقةً، فإنهم عَدَلُوا بأسمائه إلى أوثانهم وآلهتهم الباطلة.
[الثاني]: تسميته بما لا يَليق بجلاله، كتسمية النصارى له أبًا، وتسمية الفلاسفة له موجِبًا بذاته، أو عِلَّةً فاعلةً بالطبع، ونحو ذلك.
[وثالثها]: وصفه بما يتعالى عنه، ويتقدس من النقائص، كقول أخبث اليهود: إنه فقير، وقولهم: إنه استراح بعد أن خلق خلقه، وقولهم:{يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ}[المائدة: ٦٤]، وأمثال ذلك مما هو إلحاد في أسمائه وصفاته.
[ورابعها]: تعطيل الأسماء عن معانيها، وجَحْدُ حقائقها، كقول مَن يقول
= في "الأسماء والصفات"، وفي إسناده: أبو صالح كاتب الليث، وهو متكلّم في حفظه.