والقول الأول هو الأرجح؛ لهذا الحديث، ولما رواه أحمد، وأبو داود من حديث جابر -رضي اللَّه عنه-، أن رجلًا قال يوم الفتح: يا رسول اللَّه، إني نذرت إن فتح اللَّه عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس، فقال:"صل ههنا"، فسأله؟ فقال:"شأنك إذن"، ورواه أيضًا البيهقيّ، والحاكم، وصححه، وصححه أيضًا ابن دقيق العيد في "الاقتراح".
ولأحمد، وأبي داود أيضًا: عن بعض أصحاب النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بهذا الخبر، وزاد: فقال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "والذي بعث محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- بالحق لو صليت ههنا لقضى عنك ذلك كل صلاة في بيت المقدس".
قال الشوكانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: سكت عنه أبو داود، والمنذريّ، وله طرق، رجال بعضها ثقات.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: فيؤخذ منه أنه لو كان غير مكة، ومثله المدينة لم يقض عنه نذره، بل يجب الوفاء به.
وأما ما عدا المساجد الثلاثة فلا يتعين مكانًا للنذر، ولا يجب الوفاء به عند الجمهور، أفاده في "النَّيل"(١)، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في معنى الاستثناء في قوله: "إلا المسجد الحرام":
(اعلم) أنهم اختلفوا في معنى هذا الاستثناء، فقال الجمهور: معناه إلا المسجد الحرام، فإن الصلاة فيه أفضل من الصلاة في مسجد المدينة، حكاه ابن عبد البرّ عن ابن الزبير، وعطاء بن أبي رَبَاح، وقتادة، وسفيان بن عيينة، ومن المالكية: مُطَرِّف، وابن وهب، وجماعة أهل الأثر، وقال به الشافعيّ، وأحمد.
ويدل له ما رواه الإِمام أحمد، والبزار في "مسنديهما"، وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي في "السنن الكبرى"، وغيرهم، عن عبد اللَّه بن الزبير، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما