وأما حديث جابر فلا يصحّ، فإنه من طريق عباد بن كثير، وهو متروك.
وأما حجة الوداع، فهو اختلاف على الربيع بن سَبْرة، والرواية عنه بأنها في الفتح أصحّ وأشهر، فإن كان حَفِظَه فليس في سياق أبي داود سوى مجرد النهي، فلعله - صلى الله عليه وسلم - أراد إعادة النهي؛ لِيَشِيع، ويسمعه من لم يسمعه قبل ذلك، فلم يبق من المَواطِن كما قلنا صحيحًا صريحًا سوى غزوة خيبر، وغزوة الفتح، وفي غزوة خيبر من كلام أهل العلم ما تقدّم.
وزاد ابن القيِّم في "الهدي" أن الصحابة لم يكونوا يستمتعون باليهوديات، يعني فيقوى أن النهي لم يقع يوم خيبر، أو لم يقع هناك نكاح متعة.
قال الحافظ: لكن يمكن أن يجاب بأن يهود خيبر كانوا يصاهرون الأوس والخزرج قبل الإسلام، فيجوز أن يكون هناك من نسائهم من وقع التمتع بهنّ، فلا ينهض الاستدلال بما قال.
وقال الماورديّ في "الحاوي": في تعيين موضع تحريم المتعة وجهان:
أحدهما أن التحريم تكرر؛ ليكون أظهر، وأنشر حتى يعلَمه من لم يكن علِمه؛ لأنه قد يحضر في بعض المَواطن من لا يحضر في غيرها.
والثاني: أنها أبيحت مرارًا، ولهذا قال في المرة الأخيرة: إلى يوم القيامة؛ إشارةً إلى أن التحريم الماضي كان مُؤْذنًا بأن الإباحة تعقبه، بخلاف هذا، فإنه تحريم مؤبّدٌ لا تعقبه إباحة أصلًا، وهذا الثاني هو المعتمد، ويردُّ الأول التصريح بالإذن فيها في الموطن المتأخر عن الموطن الذي وقع التصريح فيه بتحريمها، كما في غزوة خيبر، ثم الفتح.
وقال النوويّ: الصواب أن تحريمها وإباحتها وقعا مرتين، فكانت مباحة قبل خيبر، ثم حرّمت فيها، ثم أُبيحت عام الفتح، وهو عام أوطاس، ثم حُرِّمت تحريمًا مؤبدًا، قال: ولا مانع من تكرير الإباحة.
ونقل غيره عن الشافعيّ أن المتعة نُسخت مرتين.
وفي حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - هذا بيان سبب الإذن في نكاح المتعة، وإنهم كانوا إذا غزوا اشتدت عليهم العزبة، فأَذِن لهم في الاستمتاع، قال الحافظ: فلعل النهي كان يتكرر في كل موطن بعد الإذن، فلما وقع في المرة