واختلفوا هل يُحدّ ناكح المتعة، أو يُعزّر؟ على قولين، مأخذهما أن الاتفاق بعد الخلاف، هل يرفع الخلاف المتقدّم؟
وقال القرطبيّ: الروايات كلّها متّفقةٌ على أن زمن إباحة المتعة لم يطُل، وأنه حُرِّم، ثم أجمع السلف والخلف على تحريمها إلا من لا يُلتفت إليه من الروافض، وجزم جماعة من الأئمة بتفرّد ابن عبّاس بإباحتها، فهي من المسألة المشهورة، وهي نُدرة المخالف، ولكن قال ابن عبد البرّ: أصحاب ابن عبّاس من أهل مكة واليمن على إباحتها، ثم اتّفق فقهاء الأمصار على تحريمها.
وقال ابن حزم: ثبت على إباحتها بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن مسعود، ومعاوية، وأبو سعيد، وابن عبّاس، وسلمة، ومعبد ابنا أُميّة بن خلف، وجابر، وعمرو بن حريث، ورواه جابر عن جميع الصحابة مدّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبي بكر، وعمر إلى قرب آخر خلافة عمر، قال: ومن التابعين طاوس، وسعيد بن جُبير، وعطاء، وسائر فقهاء مكة.
قال الحافظ: وفي جميع ما أطلقه نظر:
أما ابن مسعود: فمستنده فيه هو الحديث المذكور هنا، وقد تقدّم بيان ما نقله الإسماعيليّ، من الزيادة فيه المصرّحة عنه بالتحريم، وقد أخرجه أبو عوانة من طريق أبي معاوية، عن إسماعيل بن أبي خالد، وفي آخره:"ففعلناها، ثم تُرك ذلك".
وأما معاوية: فأخرجه عبد الرزّاق من طريق صفوان بن يعلى بن أميّة: "أخبرني يعلى أن معاوية استمتع بامرأة بالطائف"، وإسناده صحيح، لكن في رواية أبى الزبير عن جابر عند عبد الرزّاق أيضًا أن ذلك كان قديمًا، ولفظه:"استمتع معاوية مَقْدَمه الطائف بمولاة لبني الحضرميّ، يقال لها: معانة، قال جابرٌ: ثم عاشت معانة إلى خلافة معاوية، فكان يرسل إليها بجائزة كلّ عام"، وقد كان معاوية متّبعًا لعمر، مقتديًا به، فلا يُشكّ أنه عمل بقوله بعد النهي، ومن ثَمّ قال الطحاويّ: خطب عمر، فنهى عن المتعة، ونقل ذلك عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فلم يُنكر عليه ذلك منكر، وفي هذا دليلٌ على متابعتهم له على ما نهَى عنه.
وأما أبو سعيد: فأخرج عبد الرزّاق، عن ابن جُريج أن عطاءً قال: