بعض السلف جوازه، وهو خلافٌ شاذّ استقرّ الإجماع بعدُ على خلافه.
وأجاز الخوارج الجمع بين الأختين، وبين المرأة وعمتها وخالتها، ولا يُعتدّ بخلافهم؛ لأنهم مرقوا من الدين، وخرجوا منه، ولأنهم مخالفون للسنة الثابتة. انتهى.
وتعقّبه في "الفتح"، فقال: وفي نقله عنهم جواز الجمع بين الأختين غلط بيّنٌ، فإن عمدتهم التمسّك بأدلّة القرآن، لا يُخالفونها البتّةَ، وإنما يردّون الأحاديثَ؛ لاعتقادهم عدم الثقة بنقلتها، وتحريم الجمع بين الأختين بنصوص القرآن.
ونقل ابن دقيق العيد تحريم الجمع بين المرأة وعمتها عن جمهور العلماء، ولم يُعيّن المخالف. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الحاصل أن جمهور أهل السنّة على العمل بما في حديث الباب، ونحوه، من تحريم الجمع بين المرأة وعمّتها، وبين المرأة وخالتها، وهو الحقّ الذي لا شكّ فيه؛ لثبوت النصوص الصحيحة الصريحة بذلك، فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): زاد في الرواية عن ابن شهاب - رحمه الله - ما نصّه:"فنرى خالة أبيها، وعمّة أبيها بتلك المنزلة".
قال القرطبيّ - رحمه الله -: إنما صار ابن شهاب إلى ذلك؛ لأنه حمل الخالة، والعمّة على العموم، وتمّ له ذلك؛ لأن العمّة اسم لكلّ امرأة شاركت أباك في أصليه، أو في أحدهما، والخالة اسم لكلّ أنثى شاركت أمك في أصليها، أو في أحدهما.
وقد عقد علماؤنا - يعني المالكيّة - فيمن يحرم الجمع بينهما عقدًا حسنًا، فقالوا: كلّ امرأتين بينهما نسبٌ، بحيث لو كانت إحداهما ذكرًا لحرمت عليه الأخرى، فلا يُجمع بينهما، وإن شئت أسقطت "بينهما نسبٌ" وقلت بعد ذلك: كانت إحداهما ذكرًا، لحرمت عليه الأخرى من الطرفين، وفائدة هذا الاحتراز