للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وهذا مثَلٌ، يريد: الاستئثار عليها بحظّها، فيكون كمن قَلَب إناء غيره في إنائه.

وقال الطيبيّ: هذه استعارة مستملحةٌ تمثيليّةٌ، شُبّه النصيبُ والبَخْتُ (١) بالصحفة، وحظوظها، وتمتّعاتها بما يوضع في الصحفة، من الأطعمة اللذيذة، وشبّه الافتراق المسبب عن الطلاق باستفراغ الصحفة عن تلك الأطعمة، ثم أدخل المشبّه في جنس المشبّه به، واستعمل في المشبّه ما كان مستعملًا في المشبّه به. انتهى.

وقال النوويّ - رحمه الله -: معنى هذا الحديث: نهي المرأة الأجنبيّة أن تسأل الزوج طلاق زوجته، وأن ينكحها، ويُصَيِّر لها من نفقته، ومعروفه، ومعاشرته، ونحوها ما كان للمطلّقة، فعبّر عن ذلك باكتفاء ما في الصحفة مجازًا، والمراد بأختها غيرها، سواء كانت أختها من النسب، أو الرضاع، أو الدِّين، ويُلحق بذلك الكافرة في الحكم، وإن لم تكن أختًا في الدين، إما لأن المراد الغالب، أو أنها أختها في الجنس الآدميّ.

وحَمَل ابن عبد البرّ الأخت هنا على الضرّة، فقال: فيه من الفقه أنه لا ينبغي أن تسأل المرأة زوجها أن يُطلّق ضرّتها لتنفرد به، وهذا ممكن في الرواية التي وقعت بلفظ: "لا تسأل المرأة طلاق أختها"، وأما الرواية التي فيها لفظ الشرط، فظاهرها أنها في الأجنبيّة، ويؤيّده قوله فيها: "ولتنكح"؛ أي: ولتتزوّج الزوج المذكور من غير أن تشترط أن يُطلّق التي قبلها. وعلى هذا فالمراد هنا بالأخت: الأخت في الدين، ويؤيّده زيادة ابن حبّان في آخره من طريق أبي كثير السُّحَيميّ (٢)، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - بلفظ: "لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها، فإن المسلمة أخت المسلمة" (٣)، وقد تقدّم نقل الخلاف عن الأوزاعيّ، وبعض الشافعيّة أن ذلك مخصوص بالمسلمة، وبه جزم أبو الشيخ


(١) "البَخْتُ" بفتح الموحّدة، وسكون الخاء المعجمة: هو الجَدّ والحظُّ.
(٢) أبو كثير السُّحَيميّ مصغّرًا اليماميّ الأعمى، قيل: هو يزيد بن عبد الرحمن، وقيل: يزيد بن عبد الله بن أُذينة، أو ابن غُفيلة، ثقة من الثالثة، قاله في "التقريب".
(٣) حديث صحيح، أخرجه أحمد في "مسنده" ٢/ ٣١١، وابن حبّان في "صحيحه" ٩/ ٣٧٨ رقم (٤٠٧٠).