قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الحقّ ما قاله الجمهور من أن الوليّ شرط في صحّة النكاح، وليس للمرأة إلا مجرّد الإذن، إما صريحًا، وهو للثيّب، أو سكوتًا، وهو للبكر للحديث الصحيح:"أيما امرأة نكحت بغير إذن وليّها فنكاحها باطل"، والله تعالى أعلم.
(حَتَّى تُسْتَأْمَرَ) بالبناء للمفعول، أصل الاستئمار طلب الأمر، فالمعنى لا يُعقَد عليها حتى يُطلب الأمر منها، ويؤخذ من قوله:"تُستأمر" أنه لا يَعقِد عليها وليّها إلا بعد أن تأمر بذلك، وليس فيه دلالة على عدم اشتراط الوليّ في حقّها، كما زعم بعض أهل العلم، بل فيه إشعارٌ باشتراطه، أفاده في "الفتح"(١).
(وَلَا تُنْكَحِ الْبِكْرُ) بالجزم والرفع على التوجيه السابق (حَتَّى تُسْتَأْذَنَ") بالبناء للمفعول، قال في "الفتح": كذا وقع في هذه الرواية التفرقة بين الثيّب والبكر، فعبّر للثيّب بالاستئمار، وللبكر بالاستئذان، فيؤخذ منه فرق بينهما من جهة أن الاستئمار يدلّ على تأكيد المشاورة، وجعل الأمر إلى المستأمرة، ولهذا يحتاج الوليّ إلى صريح إذنها في العقد، فإذا صرّحت بمنعه امتنع اتفاقًا، والبكر بخلاف ذلك، والإذن دائرة بين القول والسكوت بخلاف الأمر، فإنه صريحٌ في القول، وإنما جعل السكوت إذنًا في حقّ البكر لأنها قد تستحيي أن تُفصح. انتهى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: أخرج النسائيّ هذا الحديث من طريق أبي إسماعيل القنّاد، عن يحيى بلفظ الاستئذان في الثيّب، والاستئمار في البكر، فعندي أن هذا من تصرّفات الرواة، والظاهر أنه لا فرق بين العبارتين، كما يدلّ عليه تصرّف النسائيّ - رحمه الله - في تراجمه، حيث عبّر في بعضها باستئذان البكر، وفي بعضها باستئمار الأب البكر، حسب اختلاف الروايات، فالذي يظهر أن الروايات بعضها باللفظ، وبعضها بالمعنى، فلا تعارض بينها، فتأمّل، والله تعالى أعلم.