(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم تزويج الأب البكر البالغة بغير إذنها:
ذهب الأوزاعيّ، والثوريّ، والحنفيّة، ووافقهم أبو ثور: إلى اشتراط استئذانها، فلو عقد عليها بغير استئذان لم يصحّ.
وذهب آخرون إلى أنه يجوز للأب أن يزوّجها، ولو كانت بالغة بغير استئذان، وهو قول ابن أبي ليلى، ومالك، والليث، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق.
ومن حجّتهم مفهوم حديث الباب؛ لأنه جعل الثيّب أحقّ بنفسها من وليّها، فدلّ على أن وليّ البكر أحقّ بها منها.
واحتجّ بعضهم بحديث يونس بن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى، مرفوعًا:"تُستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فهو إذنها"، قال: فقيّد ذلك باليتيمة، فيُحْمَل المطلق عليه.
وفيه نظر - كما قال الحافظ - لحديث ابن عباس الآتي بلفظ:"والبكر يستأمرها أبوها" فنصّ على ذكر الأب.
وأجاب الشافعيّ بأن المؤامرة قد تكون عن استطابة النفس، ويؤيّده حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -، رفعه:"آمروا النساء في بناتهنّ"، أخرجه أبو داود، قال الشافعيّ: لا خلاف أنه ليس للأمّ أمرٌ، لكنه على معنى استطابة النفس.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: لكن الحديث ضعيفٌ (١)؛ لجهالة الراوي عن ابن عمر - رضي الله عنهما -، فلا يصلح للاستدلال به، والله تعالى أعلم.
وقال البيهقيّ: زيادة ذكر الأب في حديث ابن عباس غير محفوظة، قال الشافعيّ: زادها ابن عُيينة في حديثه، وكان ابن عمر، والقاسم، وسالم يزوّجون الأبكار لا يستأمرونهنّ. قال البيهقيّ: والمحفوظ في حديث ابن عباس: "البكر تُستأمر"، ورواه صالح بن كيسان بلفظ:"واليتيمة تُستأمر"،
(١) إنما الصحيح ما رواه الطبرانيّ، والبيهقيّ عن العرس بن عميرة بلفظ: "آمروا النساء في أنفسهن، فإن الثيب تُعرب عن نفسها، وإذن البكر صمتها"، راجع: "صحيح الجامع" للشيخ الألبانيّ - رحمه الله - ١/ ٦٦.